ظهر مفهوم الأناريكية إعلاميا في العالم العربي مؤخرا، وقد شوهت الترجمات العربية مدلول اللفظ فلسفييا ومعرفيا؛ فحمل المفهوم ما لا يطيق بسبب جهل المترجمين بالخلفيات الثقافية والسياقات الحضارية والتاريخية المختلفة لهذه الفلسفة؛ فنقل مصطلح خارج سياقه وظروفه التاريخية لا يعطي نفس المعنى مثل ما حصل مع العلمانية التى تمت ترجمتها إلى فصل الدين عن الدولة وفهما العرب على أنها كفر رغم انها نشأت في حضن الدين الكنسي وليس الإسلامي. (والأقرب من وجهة نظري للترجمة) انها حيادية الدولة تجاه الدين.

الاناريكية تترجم مرة إلى "اللا سلطويّة"، وأخرى إلى "الفوضويّة"، في حين أن الدلالات التاريخية لاصطلاح الأناركية والتي تستخدم في أدبيّات مُنظري ذلك التيّار بشكلٍ مترادِفٍ؛ ليس لها مقابِلٌ في الثقافة العربية ولا في الحضارة الإسلامية؛ فهي تعبر عن سياقات حضارية وثقافية شديدة الخصوصية.

ولعل كتاب الاناريكية، للكاتب دانيل غيران، وهو مترجم إلى العربية مهم جدا لفهم هذا الطرح السياسي..

الأناركية المتجلية في نموذج الإدارة الذاتية على مستوى مسار الثورة الروسية والإسبانية، وبعض التجارب العملية التي أجهضت تحت ضغط النظام الاقتصادي المركزي والسلطة السياسية المركزية لصالح جهاز السلطة والدولة والحزب الواحد، مثل ما جرى في يوغسلافيا سابقاً.

لقد نجحت الأناريكية في سويسرا اوربيا وغربيا من خلال كثرة الاستفتاءات وفي كردستان العراق عربيا ومشرقيا من خلال العرف فهو اشبه بالخيارات واتخاذ القرارات داخل العائلة الواحدة.

ترى الاناريكية الحل في الشيوع على عكس الراسمالية والاقطاعية التي تؤمن بالملكية الفردية.
فمثلا تؤمن فلسفة الاناريكية ان الارض مثل البحر يجب الا يملكها احد بل مشاع للجميع... ولا تؤمن الاناريكية بالقيادة بل العمل دون ظهور اسماء تقود الناس.

فوفق الاناريكية الجموع هي التي تتصدر المشهد وتقوم على التعاون والتشارك مثل خلية النحل وليس على المنافسة او التفرد بالسلطة حتى وان كانت لحزب. ولا ترى الاناريكية المجتمعات في حاجة لوجود الشرطة والجيش الرسمي في الدولة اذا ليس له أهمية بل يجب أن يمارس الجميع دور الظبظ والربط والحماية.. كما ان الاناريكية هي فلسفة سياسية ترفض التسلسلات الهرمية التي يرونها غير عادلة، أو بدلًا من ذلك تعارض السلطة في تسيير العلاقات الإنسانية.

يدعو أنصار اللا سلطوية (اللا سلطويون) إلى مجتمعات من دون دولة مبنية على أساس جمعيات تطوعية غير هرمية. نشأت السلطة الأناريكية في اوساط القبائل العربية قديما حيث العرف هو السائد وليس القانون.

في تسعينات القرن التاسع عشر في فرنسا، استخدم مصطلح "تحررية" كمرادف للاسلطوية، وانتشر مصطلح التحررية في امريكا ايضا للحرية الفردية في خمسينيات القرن الماضي.

لا يمكن ذكر الاناريكية دون ذكر المفكر (بيير برودون) الذي وضع أسس نظرية اقتصادية تقوم على أساس نظرية القيمة في العمل التي تقول ان السعر الحقيقي للشيء أو البضاعة (الكلفة الحقيقية) هو مقدار العمل أو الجهد البشري الذي بذل في إنتاجه. لذلك من يريد بيع أي منتج أو بضاعة لا يجب أن يتقاضى أكثر من قيمة العمل الذي بذل في عملية الإنتاج.

ايضا يقول برودون: "فإنه العمل والعمل فقط، هو المنتج لكل عناصر المال والثروة.. طبقا لقانون التكافؤ المتغير كما يؤمن ان السوق بدون تدخل حكومي ستشهد حالات من الانتعاش الاقتصادي لأن الشركات ستضطر للمنافسة مع بعضها كما يتنافس العمال على الشركات.

على ان كل عامل يجب ان ينال فعلا وبشكل طبيعي قيمة "إنتاجه الكامل" بدون أن ينقص من استحقاقات صاحب العمل. والعامل الأقل إنتاجية سينال أقل من العامل الأكثر إنتاجية كما ستكون الملكيات الشخصية والصغيرة محمية ومصانة.

كما ان هنالك اكثر من تقسيم داخل الاناربكبة نفسها مثل:

• الاناريكية الفردية وهي اتجاه فلسفي لا سلطوي يؤكد كثيرا على فكرة المساواة في الحرية والملكية الفردية الخاصة، آخذة الكثير من مباديء وتقاليد الليبرالية الكلاسيكية. اللا سلطويون الفرديون يعتقدون أن "الوعي الفردي وميزة الاهتمام الذاتي يجب ان لا يحدها شيء أو سلطة عامة".

• اما الاناريكية الجمعية ترى الحرية الفردية مترابطة بالتعاون المتبادل. يؤكد الفكر الأناركي الاجتماعي أن المجتمع والمساواة الاجتماعية مكملان للاستقلالية والحرية الشخصية حتى نصل إلى التوازن من خلال حرية التعبير المحفوظة في الفيدرالية اللا مركزية، وحرية التفاعل في الفكر وتفريغ السلطة.. اذ يُعرف تفريع السلطة على أنه يجب على الفرد ألّا ينسحب من الجماعة وأن يلتزم بالمجتمع من خلال شركته الخاصة أو صناعته.

الأناركية قريبة من الفكر الماركسى ولكن بدون سلطة، فالأناركيون لا ينضمون لتنظيمات حزبية ولا حركات سياسية، لأنهم ضد الشكل الهرمى، بل يشتركون فى الحركات الشعبية، التى لا تهدف لسلطة ولا لربح، لأنه ضد الاستغلال بكل أشكاله وكل أنواعه.

اخيرا، الأناركية ضد مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، فوسيلة الأناركى لتحقيق غايته يجب دائما أن تتمتع بالنزاهة، ونبذ المطامع الشخصية. تلك لمحة بسيطة عن الاناريكية او اللا مركزية او (الفوضى المسؤولة) اذا يمكننا تسميتها بذلك.