وَلِي وَطـَـنٌ آلَيْتُ أَلاَّ أَبِيعَـهُ وَ أَلاَّ أَرَى غَيْرِي لَهُ الدَّهْرَ مَالِكا
فقد ألِفـَـتْهُ النفسُ حتَّى كأنه لها جسدٌ إنْ بانَ غودِرْتُ هالكا
هذه المشاعر كانت تؤجج نيران المشاعر الوطنية في قلب عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل الذي حل ضيفاً مع والده الإمام عبد الرحمن الفيصل في الكويت سنة 1891م واستمرت هذه المعاناة وهذا الشوق لأرض الوطن وكل صباح تهب رياح نجد تحمل آهات البعد والفراق وكأنها تردد أرجوزة الفراق المضني وتصدح بصوت عالٍ ينطلق من قصر المصمك ليتلاطم صداه في طرقات وممرات وشواطئ الكويت لتعيد ترديد الصدى:
ألاَ يَا صَبَا نَجْدٍ مَتى هِجْتِ مِنْ نَجْدٍ لَقَدْ زَادَني مَسـراكِ وَجْداً عَلى وَجْدِ
أَأَنْ هَتَفَتْ وَرْقَاءُ في رَوْنَقِ الضُّحى عَلى فَنَنٍ غَضِّ النَّبَاتِ مِنَ الرَّنْدِ
بَكيْتَ كَمَا يَبْكي الوَليدُ وَلَمْ تَكُنْ
جَلداً وَأَبْدَيْتَ الَّذِي لَم تَكُن تُبْدِ
وعندما يحل المساء يعود عبد العزيز مثقلاً منهكاً بثقل هذه المشاعر والآهات التي يزيدها الشوق سعيراً وأواراً حتى أدرك ذلك والده الإمام عبد الرحمن مما جعل عبد العزيز يفاتح والده بما في نفسه وبما عزم عليه وكأنه يستحضر قول الشاعر عبد الرحيم محمود:
سَأَحْمِلُ رُوحي على راحَتي
وأُلقي بِها في مَهاوي الرَّدى
فإِمّا حَياةٌ تَسُرُّ الصَّديقَ
وإِمّا مماتٌ يُغيظُ العِدى
ونَفسُ الشَّريفِ لها غايَتانِ
ورودُ المنايا ونَيلُ المُنى
وما العَيشُ؟ لاعشتُ إنْ لَمْ أكُنْ مخوفَ الجِنابِ حَرامُ الحِمى..
بهذه العزيمة وبهذا الحزم إنطلق عبد العزيز بن عبد الرحمن مع 60 من رجاله المؤمنون برؤيته وفكرته ورسالته تحملهم ظهور حوافر الخيل وأخفاف الإبل والوجهة الرياض وبعد مسير طويل شاق وصل الركب الى رياض العز والشموخ في ملحمة يذكرها التاريخ بمزيد من العز والفخر وليصدح صوت المنادي من على قصر المصمك (الملك لله ثم لعبد العزيز).
في هذا اليوم 5 شوال من عام 1319من الهجرة النبوية ولدت أمة جديدة وبدأت ملحمة التوحيد للم شمل هذه الجزيرة بعد فرقه وتأمينها بعد خوف وإبدال التلاحم عن التناحر والولاء لله ثم للملك والوطن لترسم أعظم ملحمة توحد شعب في العصر الحديث قائمة على ركائز ثلاث لبناء شامخ أبدي بحول الله وهي العقيدة الإسلامية الصافية الوسطية المعتدلة وقيادة انبثقت من رحم الشعب وحبه ولم يأتي بها مستعمر أو طامع على ظهر دبابة بل جاءت على الخف والحافر محفوفة بسيوف ورايات شعب اختار العيش الكريم الأبي والركيزة الثالثة هذا الشعب الوفي الذي سطر بإلتفافه حول قيادته أروع الصور وأجملها لتشكل هذه الركائز الثلاث قواعد البناء ومنطلق الإعمار في مختلف المجالات، وعندما نحتفل باليوم الوطني لبلادنا المباركة فهو إحتفال إستذكار وإستدراك فإستذكار لما بناه الآباء والأجداد وإستدراك لمستقبل واعد مشرق يحمل الأمل والطموح لبناء الدولة الحديثة التي إنطلقت من ملحمة التوحيد الى ملحمة البناء وسباق الزمن لإستدراك ما فات نحو نهضة شاملها قادها أبناء المؤسس رحمه الله الي عهد سلمان الحزم والعزم وولي عهده الأمين محمد الشجاع حيث نحتفل باليوم الوطني الـ 93 في عالم متغير تلفه الكثير من الغيوم والسحب الأمر الذي تطلب رؤية جديدة تأخذ المتغيرات الجيوسياسية والجيوستراتيجية في الحسبان فكانت رؤية المملكة 2030 التي تعد منطلقاً لبناء السعودية الحديثة على أسس من الأنظمة والتشريعات والرؤى والأفكار التنويرية التطويرية مما جعل بلادنا والحمد لله تتبوأ المكانة اللائقة بها على مختلف الأصعدة وتحقق النجاحات المتوالية على الصعيد السياسي والإقتصادي والإجتماعي والعسكري والفكري والتنموي وفق خطط إستراتيجية تأخذ في الحسبان كل المتغيرات العالمية.
فمع وجود جائحة كرونا التي عطلت وأوقفت النشاط العالمي نجحت السعودية في مكافحة هذا الوباء وفق منظومة صحية متكاملة وخطط تجارية وأمنية وإحترازية مميزة حظيت بإشادة العالم كما شهدت تحولاً لافتاً على الصعيد الإقتصادي بتبني الإقتصاد متعدد الموارد للخروج من عباءة النفط والإعتماد على مصادر دخل متنوعة مثل السياحة والآثار والمبادرات الضخمة مثل القدية وساحل البحر الأحمر والعلا ونيوم والإستثمار في الجغرافيا السعودية المتنوعة والتحول للتصنيع بشقيه المدني والعسكري وكذلك كانت المملكة حاضرة في أزمات الشرق الأوسط حمامة سلام تسعى لحل هذه الأزمات والعمل عبر القنوات الدبلوماسية المحلية والعربية والدولية لحل هذه القضايا من خلال الحوار والمفاوضات بعيداً عن لغة السلاح كما وقفت بحزم ضد الإرهاب ومروجيه ومموليه وحاضنيه ودعمت كل الجهود الدولية لمحاربته واستئصاله ووقفت ضد التدخلات الإيرانية في الوطن العربي ودعمت الشعب اليمني لإستعادة شرعيته ودحر الإنقلاب الحوثي الفارسي كما ساهمت بإقتدار في العمل الإنساني لخدمة الإنسانية جمعاء من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة لتصل يد البناء والعطاء لكل ارجاء المعمورة.
كما شهدت بلدنا المشروع الوطني لمكافحة ومحاربة الفساد المعطل للبناء والتنمية ومحاربة والقبض على الفاسدين وتطبيق الأنظمة بحقهم. وحظيت المرأة بنصيب وافر من العطاء والتقدم على مستوى الأنظمة والحقوق حتى تبوأت مكانة مرموقة لتشارك شقيقها الرجل في بناء الوطن ولا زالت عجلة البناء والإعمار تواصل المسيرة في الإستثمار في الشباب أمل المستقبل ودعم قواتنا المسلحة وعيوننا الساهرة بكل سخاء إدراكاً من دولتنا بأن الأمن هو أساس التنمية والبناء وبدونه لا بناء ولا نماء، ولا يمكن في هذه السطور أن نلم بمنجزات بلادنا المباركة ولكن يكفي من الدُرّ ما طوّق العنق فمنجزاتنا يشهد بها البعيد والقريب وهذه نعمة تستحق الشكر والعرفان.
وهذه المناسبة الوطنية هي فرصة لنؤكد العهد أن نبقى حماة لأمن وطننا وقيادتنا وعقيدتنا تحت شعارنا العظيم الله ثم الملك والوطن، أسأل الله أن يديم على بلادنا نعمة الأمن والأمان في ظل قائد المسيرة وباني النهضة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان وأن ينصر جنودنا البواسل ويرحم شهدائنا ويوفق عيوننا الساهرة على أمن الوطن. وكل عام ووطني في عز وشموخ.
التعليقات