أظنه مقتبس من القانون الفرنسي، وهو قائمة مبدئية بأسماء كل من يرى أنه يستحق نصيب في تركة متوف عقب وفاته، ولا تصبح سارية الا بعد مصادقة القاضي عليها بحكم بات ونهائي.
وفي حالتنا التركة هي عباءة التطرف والغلو التي قرر الامير السعودي الشاب أن يخلعها عن كاهل شعبه بعد معاناة وأيما معاناة مع كل من انضوى تحت هذه العباءة. فقد كانوا كثر، أولهم المرتزقون منها وهؤلاء كانوا أكثر الفرق شراسة في المقاومة.
أما الفرقة الثانية فكانوا فرقة الممولين وهؤلاء هم الحالمون بالعودة للقرن السابع منتظرون فتوحات عظيمة لعلهم يفوزون بولاية هنا أو هناك.
أما الفرقة الثالثة فهم جموع العوام الذين تم غسل أدمغتهم والسيطرة عليهم بالطريقة السرورية. وهؤلاء عاشوا في وهم انتظار الامبراطورية الموعودة التي أنفق في سبيلها مليارات المليارات. هذه التي لو أنفق عشرها على هؤلاء تعليم وصحة وبحث علمي وسكن آدمي ومرافق حضارية ووسيلة مواصلات آدمية، لكانت النتيجة عكس مانراه على الساحة من قتل ومخيمات واحتراب وصراعات ومجتمعات مقهورة مدفونه في القرن السابع مغطاة بطبقة سميكة تعزلها عن الدنيا. هي ثقافة كتب صفراء جلّ محتواها متصادم مع العقل والمنطق وحتى الدين.
وقد ساعد الامير الشاب على القيام بهذه المخاطرة المحسوبة أنه من جيل جديد تحرر من التزامات التحالفات القديمة التي تمت بين الآباء الأول في نجد والحجاز في عصور سابقة، ولم يعد مقبولاً استمرارها في القرن الواحد والعشرين. وخصوصا بعد رحيل كل الموقعين عليها وانتفاء الغرض منها حيث تبدلت الأحوال من مجرد امارات فقيرة متحالفه الى مملكة عظيمة غنية مؤثرة.
وفي رأيي أن هذا الشاب كان ملمًا بما يدور في وطنه وحول وطنه. ففي وطنه لم يكن هناك سوى مؤسسة أرامكو وهذه كانت تحت امرته وامرة الملك ومؤسسة أخرى ضخمة خارج السيطرة. هي مؤسسة المشايخ. وهذه صنعت لنفسها حصانة وميزانية وجمعيات ومؤسسات وتعاونيات مع (الاشقاء) وخصوصا الامارتين اللتين توليتا التخطيط والتنفيذ ومد الاذرع وتمويلها في كل أرجاء الكوكب، بالاضافة بالطبع لمورد العمالة الرخيصة الأول وهو مصر.
وكان بعض الأمراء قد قاموا بدور الآباء الروحيين لهذه الانشطة وحمايتها. لكن الامير الشاب بفطنة نادرة قدر الموقف ومدى خطورته وخصوصًا بعد أحداث سبتمبر. حيث الصقت بوطنه كل الموبقات الارهابية التي ارتكبت في كل أرجاء الكوكب طيلة نصف القرن الماضي.
والامانة تقتضي القول بأنه لم يثبت بعد تحقيقات موسعة أن دائرة رسمية واحده في المملكة كانت ضالعة في أي من هذه الجرائم، وكل من قبض عليهم وشملتهم دائرة الاتهام كانوا خليطًا من جنسيات عدة يربطهم تنظيم القاعدة. لكن ظل الاتهام الرئيسي بالتمويل محصورًا بالمملكة.
أما خارج وطنه، فقد رأى الشاب النموذج الذي قام في الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة على ساحل الخليج وكيف اتحدت الامارات السبع وانطلقت الى المستقبل وأصبحت ماهي عليه الآن الوجهة الاستثمارية والسياحية الافضل في العالم. لذلك وغيره اتخذ الامير الشاب قراره المصيري بخلع هذه العباءة التى كبّلت شعبه وتركها نهائيًا. ساعده في ذلك دعم شعبي وخصوصًا من أبناء جيله. بالاضافة لكثير من المثقفين المستنيرين ومعظمهم كان يعيش خارج المملكة.
وعندما تأكد للجميع أن القرار نهائي ولا رجعة فيه بدأ السعي المحموم لوراثة عباءة الزعامة المتروكة، بعد أن كان الجميع مجرد تابعين لها وخصوصا تلك المجتمعات التي يتغلغل فيها ذلك التيار الذي جر كل تلك المجتمعات الى هذه المأساة. فما بين الانتقاب المدفوع مقدما في مصر الى أسلمة التعليم في الكويت بالاضافة الى مايجرى في شرق أفريقيا، ولن ننسى بالطبع طالبان أفغانستان وباكستان وهم باكورة من انضووا تحت هذه العباءة، وأسماء أخرى لازالت شاغرة في قائمة الورثة المحتملين، قائمة استحقاق ارتداء العبايه أو العلامة المسجلة التي تنازل عنها مالكها الأصيل بمحض ارادته، وكلها ستظهر في قادم الايام.
التعليقات