عشية غزو العراق في عام 2003، وفي مؤتمر صحفي تعهد الرئيس الأمريكي الاسبق جورج بوش وضيفه توني بلير، على أن يعملا على حل القضية الفلسطينية بحول عام 2005، واضاف بلير جملة لتأكيد تعهداتهما "سجلوها علينا"، ولم يكن ذلك إلا لخداع الدول العربية التي سهلت للأمريكان غزو العراق، وكرر الرئيسان تعهداتهما بتاريخ 14/11/2004، حيث أكد الرئيس الأمريكي حينها "إن من الممكن قيام دولة فلسطينية مستقلة بحلول نهاية ولايته الثانية عام 2008"، ولم يسأله أحد عن سرالإختلاف الكبير بين الزمن الذي تعهد به قبل غزو العراق والذي "لم يسجله أحد عليهما" والتاريخ الجديد الذي ذكره في هذا التاريخ رغم إن الفارق الزمني بين التعهدين بضعة أشهر فقط،، وجاء الدور إلى رئيس الوزراء البريطاني الذي طلب أن يسجل العالم عليه تعهداته في عام 2003، حيث قال خلال لقاءه جورج بوش في التاريخ أعلاه "إن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لن يتحقق إلا بوجود "دولتين ديمقراطيتين" تعيشان جنبا إلى جنب وتحترم "كل منهما دولة القانون وحقوق الإنسان". وإذا كنا نريد دولة فلسطينية قابلة للاستمرار, فعلينا أن نتحقق من قيام بنية تحتية سياسية واقتصادية وأمنية ومن حصولها على مساعدة".

أمثال هذه الوعود بدأت منذ عام 1948، وهي تتكرر الآن، وغالبا ما تسبق أو تترافق مع مذبحة جديدة يقترفها الصهاينة ضد الفلسطينيين، كما يحدث الآن في غزة وفي الضفة الغربية، ولم تسع الدول العربية بجد الى إلزام الدول الغربية بتعهداتها بحل الدولتين قدر سعيها إلى "تطبيع العلاقات مع إسرائيل" دون إشتراط حل الدولتين كاساس واقعي وعملي ومبرر لهذا "التطبيع".

قد لا نتفق مع حماس في هجومها على بعض المستوطنات الإسرائيلية قبل أيام، وتعريضها المدنيين الفلسطينيين وغيرهم إلى الخطر، بل إلى مجزرة كان الإسرائيليون ينتظرون فقط المبرر لإرتكابها، ذلك المبررالذي قدمته حماس للإسرائيليين على طبق من ذهب، وكما هو متوقع، ايدت دول "العالم الحر" قيام إسرائيل بضرب المنازل والمدارس والمستشفيات في غزة، وتغاضت عن توزيع السلاح على المتطرفين اليهود في الضفة الغربية وإستخدام هذه الأسلحة في قتل الفلسطينيين في الضفة الغربية -حيث مقر السلطة الفلسطينية التي لم تشارك حماس هجومها وهي على خلاف واسع معها- وترويع العوائل الفلسطينية فيها، وتغاضت عن قطع الإسرائيليين الماء والغذاء والمواد الطبية والكهرباء عن قطاع غزة، ما يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، هل أدانت اية حكومة غربية هذا العمل الإجرامي المشين؟

لم نسمع صوت حكومة واحدة من حكومات "العالم الحر" حينما كان الإسرائيليون يقتلون -يوميا- عددا من الفلسطينيين سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، قبل قيام حماس بهجومها، الذي دفعها إليه تجاهل العالم لوجود شعب يقتل ويقمع منذ عام 1948، ومن وعود بعض حكومات "العالم الحر" التي يراد منها فقط ترحيل المشكلة إلى زمن آخر قد تجهز فيه إسرائيل على من تبقى من الفلسطينيين في فلسطين.

نشاهد كيف إن حكومات "العالم الحر" تداعت لنصرة اسرائيل بعد هجوم حماس عليها، ورغم تفوق اسرائيل العسكري الواضح على "منظمة" حماس، أرسلت الولايات المتحدة "حاملة طائرات"، وقال رئيسها انهم سيضمنون وصول الأسلحة والعتاد الى إسرائيل للدفاع عن نفسها! وإنهم سيرسلون مقاتلين الى منطقة الشرق الأوسط، علما إن إسرائيل مكتفية ذاتيا من صناعة الاسلحة منذ حرب أكتوبر عام 1973، وإن الجيش الإسرائيلي يعادل تقريبا خمسمائة ضعف عدد مقاتلي حماس!

سكوت حكومات "العالم الحر" عما يجري من مذبحة بحق الابرياء في غزة والضفة الغربية، يعني إنها أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لتقوم بالتطهير العرقي ضد الفلسطينيين، وليس أدل على ذلك من تجاهل إعلامها وساستها قتل المواطنين الابرياء في الضفة الغربية من قبل المتطرفين الذين سلمتهم حكومة إسرائيل الأسلحة وتغاضت عن إطلاقهم النار على بيوت الفلسطينيين وسلب ممتلكاتهم.