منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي، كنت شاهدا على تطور الإرهاب في بلداننا، خصوصا بعد استقرار تنظيم القاعدة في أفغانستان، وانشاء دور الضيافة لاستقبال المقاتلين الاجانب، إلى الشباب والبالغين الذين بدأوا في السفر إلى الجهاد في دول لا يعرفون عنها الكثير، بمباركة دول كبرى أيدت الامر وتيارات دينية مشجعة. قد تبدو المنظمات والمجموعات التي شاركت في هذه الأحداث، من طالبان إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام ومن ثم الدولة الاسلامية، مختلفة عند النظر إليها للوهلة الأولى. إلا أنها تشترك في المبادئ الأساسية التي دفعتها، بما في ذلك فكرة الجهاد، أو الفريضة الغائبة.

من المعروف فان العلماء والفلاسفة والقادة المرتبطين بهذه التنظيمات والأحزاب المختلفة يركزون على أن الله يكرم الشهداء. في كثير من الحالات لم تكن لدى هذه التنظيمات فرص كبيرة لاستخدام الوسائل المادية لتجنيد وتحفيز أعضائها، عدا استثناءات وفي مناطق معينة. لقد لاحظت تاريخياً أن الجهاد يزدهر في مختلف المناطق التي عانت من القمع والفقر ونقص الأمل. هذه الظاهرة معقدة ولها العديد من الأسباب العميقة، والتي عادة ما تبدأ من قاع المجتمعات.

العالم، الإرهاب واستخدام الأسلحة
بصفتي رئيس منظمة "يو-تيرن النرويجية" التي تعمل على منع التهميش والاقصاء والوقاية من الجريمة والتطرف العنيف، وكاتباً مبتدئاً في عام 2023 مع رواية "الرقصة المظلمة" باللغة النرويجية التي تتناول أحداث الموصل عام 2014، والتي أعلنت أنها أرض الخلافة. من خلال رحلتي اليها وتواصلي اليومي مع سكانها حتى في فترة انقطاع الخطوط، حصلت على نظرة ومعلومات فريدة عن لب الصراع هناك، والذي ينطبق أيضًا على العديد من أجزاء أخرى من هذا العالم، بما في ذلك غزة. (تقدم الرواية عرضًا واضحًا لكيفية تدمير الإرهاب للحياة والمجتمعات على الصعيدين المحلي والدولي.)

منذ الثمانينيات وحتى اليوم، استخدم العالم إلى حد كبير نفس الطريقة لمحاربة الإرهاب: استخدام الأسلحة على أمل تحقيق السلام. ومع ذلك، نرى أن الحرب تؤدي إلى المزيد من الحروب لا نهاية لها، الواحدة اقسى من الثانية.

يمكن مقارنة الفكر الارهابي بالبكتيريا، والأسلحة مثل المضادات الحيوية. كلما استخدمنا المدافع والصواريخ، زادت مقاومة البكتيريا التي نحصل عليها وأصبح علينا تطوير أسلحة أكثر قوة وفتكا للمعارك المستقبلية. اقولها وبصوت عال! لا يمكن القضاء على الأيديولوجيات بالقنابل. يجب استبدالها بأفكار بديلة. لو كانت الأسلحة حلاً ناجعا، لما رأينا اليوم منظمات مثل طالبان أو داعش أو جبهة النصرة قائمة بعد أن حاربها كل العالم واستخدم معها حتى الأسلحة المحرمة.

آمال المستقبل
بدون بناء الجسور وإنشاء قنوات حوار مفتوحة مع مختلف المنظمات وخصوصا المنتخبة من الشعب أو المتحكمة في مناطق معينة، مثل حماس، لن تتمكن البشرية أبدًا من تحقيق سلام دائم.

يجب أن تتصرف الحكومات والشعوب بشكل محايد وعادل عندما يتعلق الأمر بمعاناة الإنسان. عندما نرى صاروخًا موجهًا إلى منطقة مدنية، يجب ألا نتردد في إدانة الفعل. المعاناة الإنسانية غير مقبولة بغض النظر عن من يتأثر بها، سواء كانوا عربًا مسلمين أو يهودًا أو أفارقة أو أمريكيين. العقوبات الجماعية مقلقة دائمًا لعواقبها الوخيمة والمتراكمة، سواء أكانت تستهدف الأوكرانيين في أوروبا أو الفلسطينيين وإسرائيل في آسيا. العقوبة تجاه مجتمع يعاني من العوز الشديد مع انتشار للأفكار الراديكالية ستجعل المجتمع برمته وبكافة اطيافه فريسة سهلة بيد الفكر الارهابي.

يجب أن تستكشف البشرية طرقًا جديدة لوقف هذه الموجات المتزايدة من العنف التي تأثر وتهدد سلام العالم بأسره. يتطلب هذا الأمر أولا بإقرار أن الحوار والتفهم العابر للثقافات والأيديولوجيات ضرورة وفرض عين على كافة الاصعدة.