قبل السابع من اكتوبر الماضي والذي كان بداية الحرب التي تشهدها غزة اليوم، كانت تصريحات وليد العهد السعودي محمد بن سلمان قد حملت تأكيدات بأن الاتصالات بين المملكة واسرائيل برعاية أمريكية تقترب من الوصول الى اتفاق تاريخي لكنه في نفس الوقت جدد التأكيد على ربط ذلك بتسوية للقضية الفلسطينية تخلق واقعا جديدا في منطقة الشرق الأوسط وتجعل من التطبيع اتفاقا يخدم السلام، لكن الحرب الأخيرة أخلطت الأوراق بعد أن ألقت حماس عود الثقاب على البنزين وأشعلت جولة جديدة من الصراع والذي من المؤكد أنه قد ألقى بتبعاته على الملفات الأخرى في المنطقة، فهل ستكون حرب غزة حجر العثرة في طريق التطبيع بين السعودية واسرائيل؟ أم أن ستقدم واقعا جديدا سيساهم في اعادة احياء مبادرة السلام العربية؟

قبل أن تصل حماس الى حكم قطاع غزة وعندما كان خاضعا للسيطرة العسكرية الاسرائيلية، تقدمت السعودية عبر الجامعة العربية بمبادرة سلام وضعت ضمن بنودها انسحاب اسرائيل الى حدود ماقبل حرب يونيو/حزيران 1967 وقبول قيام دولة فلسطينية على أراضي الضفة وقطاع غزة على أن تكون عاصمتها القدس الشرقية، وقدمت المملكة من خلال هذه المبادرة تصورها للحل الذي يفضي بانهاء الصراع وإنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي حينداك أرييل شارون اعتبر أن الانسحاب الى حدود ماقبل 67 يعني نهاية اسرائيل، واعتبر هذا الموقف اجهاضا لمبادرة السلام قبل أن تولد.

بالنسبة للسعوديين فان عقارب الساعة قد توقفت عن تلك المبادرة، وهم يصرون على تحقيق اختراق في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية تفضي الى حل الدولتين كشرط أساسي في المضي قدما في مسألة التطبيع، وبالنظر الى الوقائع التي تجري على الأرض من استمرار للسياسة الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، ومن أحاديث عن محاولات خلق وطن بديل للغزيين فانه يبدوا واضحا بأن نتنياهو ليس على استعداد لتلبية شروط السعوديين، ولا للجلوس معهم على طاولة المفاوضات بشروط مسبقة.

كان في خطوة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في عام 2005 فرصة حقيقية لاعادة احياء اتفاق أوسلوا ووضع مبادرة السلام العربية على قيد التنفيذ لكن ذلك الانسحاب لم يتم وفق أجندة تضع في الحسبان تحقيق حلم الفلسطينيين ولم يقدم اليد الممدودة للعرب من أجل ايجاد تسوية تنتهي بسلام، فتح هذا الانسحاب الباب لاجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 والتي أفرزت واقعا سياسيا جديدا انتهى بسقوط الفلسطينيين في فخ الانقسام بعد ان استفردت حماس بحكم قطاع غزة وأعلنت خروج غزة من معادلة حل الدولتين وامام هذا الواقع انتهت صلاحية مبادرة السلام العربية وفشلت معها جميع الجهود الأممية الرامية لايجاد حل سياسي في المنطقة وفتح هذا الفشل الباب لفصول متكررة من مسلسل العنف والمواجهات.

قدمت حرب غزة الأخيرة وكل ما جرى فيها من دمار وقصف وتهديد بتهجير المدنيين سببا آخر سيقلص من حظوظ حصول تقارب سعودي اسرائيلي في المستقبل القريب، ربما لأن المسؤولين في المملكة مدركون لتأثير هذه الحرب على الرأي العام السعودي وعلى استقرار المنطقة ككل مع احتمال اتساع دائرة الصراع والذي ينذر بعودة اشتعال بؤر التوتر في اليمن والعراق ولبنان من جديد في حال حركت ايران وكلاءها في المنطقة ردا على اجتياح محتمل لغزة، ومن هنا يمكن القول أن حركة حماس استطاعت من خلال عملية طوفان الأقصى في فرملة مسار التطبيع بين السعوديين والاسرائيليين وفي والتأثير حتى على المواقف الاقليمية بعد أن أحدثث شرخا في العلاقات بين تركيا واسرائيل ومصر واسرائيل.

في نفس الوقت فان هذه الحرب تبدوا مقدمة لمشهد جديد ربما سيبدأ يتفكيك اللغم الأكبر في طريق الحل السياسي بمجرد سقوط نتنياهو ومعه حكومة اليمين المتطرف وهو ما تشير له استطلاعات الرأي بعد الأخفاق الأمني الكبير الذي وقع، وقد يعبد هذا السقوط الطريق لوصول حكومة تستجيب للمطالب الأمريكية والاقليمية حول ضرورة اعادة تفعيل مشروع حل الدولتين، وحتى وان نجح ذلك فثمة لغم آخر لا يقل وزنا عن الأول والممثل حالة الانقسام التي يعيشها البيت الفلسطيني، وهو ما سيستدعي الحاجة لدور سعودي يثمثل في عقد نسخة جديدة من اتفاق مكة للمصالحة الفلسطينية، والذي ان نجح فانه سيعطي نجاحه الضوء الأخضر للمرور الى المرحلة الثانية من مسار عملية السلام.