الدول العربية والاسلامية صامتة ومتشرنقة في مصالها في حين ترتفع فاتورة شهداء الشعب الفلسطيني البطل الذي كان ولا يزال وحيدا في مسرح الجريمة

نحن ضحايا الانفال (الإبادة الجماعية) كنا ولا زلنا ننتقد وبشدة الدول العربية والإسلامية لصمتها وسكوتها عن الجرائم الوحشية التي ارتكبها النظام البعثي الفاشي في عام الانفال تجاه كوردستان ارضاً وشعباً، تلك الجرائم المتمثلة في جرائم الإبادة الجماعيةوجريمة حرب وجريمة ضد الانسانية بما يشمل القتل، والإبادة، والترحيل القسري والفصل العنصري.

وحتى بعد سقوط النظام البعثي الفاشي، لزمت الدول العربية والاسلامية الصمت تجاه جرائم النظام البعثي الفاشي، في الوقت الذي رأينا فيه بعض الدول الأوروبية والأجنبية نددت بتلك الجرائم وبادرت بتعريفها كجرائم إبادة بشرية.

للاسف حتى بعد سقوط النظام العراقي ترددت الدول العربية والاسلامية لبيان موقفها تجاه تلك الجرائم الخطيرة بحق الشعب العراقي وشعوب إقليم كوردستان التي تعرضت إلى الإبادة الجماعية في عام الانفال (1988)، بالضبط كما تصمت اليوم هذه الدول العربية والاسلامية تجاه جرائم القوات الاسرائيلية المحتلة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الذي دمرته الحروب والحصار الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من 15 عاماً، والتي تنفذ وبكل بشاعة جرائم القتل الجماعية واستخدام الاسلحة المحرمة دوليا والتي تهدف إلى التطهير العرقي والإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني وامام انظار العالم والدول العربية والاسلامية الصامتة والساكتة، ولم تتردد القوات المحتلة من قتل الالاف من اطفال وشيوخ ونساء فلسطين بحجة القضاء على حركة حماس، كما كان يفعل النظام العراقي البائد ضد الابرياء والعزل في عام الانفال بحجج واهية.

للاسف ان سيناريو صمت الدول العربية والاسلامية تجاه جرائم صدام حسين وحزبه الفاشي، يتكرر اليوم نفس السيناريو (سيناريو الصمت المقزز) تجاه جرائم إسرائيل بحق اطفال وشيوخ ونساء غزة الابرياء.

جريمة السيوف الحديدية:
ان التصعيد العنيف لـ (حملة السيوف الحديدية ضد طوفان حماس)، أزهقت ارواح الابرياء وتمزقت وتفككت الأسر، ولحقت آثار مدمرة بالأطفال والنساء والشيوخ تحديداً ولحقت أضرارجسيمة بالمدارس والمرافق الصحية، وسويت المنازل والمكاتب بالأرض، وهجّرت أسر بأكملها، واصبح 96 بالمئة من اهالي غزة المنكوبة تعيش تحت خط الفقر، وهناك نحو 800,000 شخص لا يسعهم الحصول على المياه من الشبكة بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بالآبار والخزانات الجوفية ومحطات تحلية المياه ومحطات الصرف الصحي وشبكات توصيل المياه ومحطات الضخ، مما يعرض الأطفال لخطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه. كما انخفض إنتاج الكهرباء في مختلف أنحاء غزة بنسبة اكثر من 60 بالمئة تقريباً، مما جعل المستشفيات تعتمد أكثر على المولدات لتوفير خدمات الرعاية الصحية الأساسية.

ومن الجدير بالذكر ان ثلث أطفال غزة كان قبل حملة السيوف الحديدية بحاجة ماسة إلى الدعم في مجال الصدمة المتصلة بالنزاع، وبدون شك، فقد ازدادت كثيراً حاجة الأطفال إلى خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي - الاجتماعي ـ في ظل جريمة السيوف الحديدية (حسب اليونسيف).

الطفل حمزة الفلسطيني والطفل تيمور الانفال:
ان قصة الطفل الفلسطيني حمزة الذي رفع شارة النصر. امام الصحفيين الاجانب وهو يرقد في احد المستشفيات في عزة المنكوبة والناجي الوحيد بأعجوبة من بين افراد عائلته المتكونة من 6 اشخاص من حملة (السيوف الحديدية - الإبادة الجماعية)، ذكرتني بقصة الطفل الكوردي (تيمور الانفال)، الناجي الوحيد في المقبرة الجماعية الصدامية، بعد ان أُعدم أمام عينيه عائلته ومجموعة من الاطفال والنساء في صحراء مدينة السماوة، ضمن سلسلة الاعدامات الجماعية التي كان يقوم بها نظام البعثي الفاشي ضد كوردستان ارضا وشعبا، حيث نجى الطفل تيمور باعجوبة قريبة من الخيال، بعد ان جرح، وتظاهر بالموت في مسرح الجريمة وثم استطاع ان يتسلل في جنح الظلام، هرباً من الوحوش البشرية الصدامية، ليهيم في الصحراء، ثم تعثر عليه عائلة عربية من مربي الأغنام المنتشرين في بادية السماوة.

إحتضنته العائلة السماوية بسرية تامة خوفاً من عيون المخبرين وازلام النظام البعثي الفاشي، وبعد سنوات تمكن أحد أفراد العائلة وكان جندياً على علاقة بجنود كورد من الوصول إلى أقرباء (تيمور) فاقتادهم الى السماوة، وهكذا نجى تيمورالانفال من الموت وعاد وحيداً إلى مدينته ليبقى شاهداً على جرائم الإبادة الصدامية.

اين صوت جامعة الدول العربية؟
قبل سنوات وفي لقائي مع الكاتب والمحلل السياسي المصري، ورئيس المركز المصري للبحوث والدراسات الكوردية، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية الراحل رجاني فايد سالته: لماذا لم تصحى جامعة الدول العربية من هول جريمة (الإنفال وحلبجة) وجرائم الدكتاتورصدام حسين الاخرى بحق الشعب العراقي في جنوب وشرق وغرب العراق؟

اجاب فايد وقال: (الجامعة العربية هى محصلة لآراء أعضائها فى أى قضية، فهى تصحو إن صحى أعضاؤها وتنام إن نام أعضاؤها، هذا على فرض أنهم من الممكن أن يتفقوا على موقف واحد)!

اتفاقية منع جريمة الآبادة الجماعية والمعاقبة عليها:
تسعى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها بموجب مادتها الأولى، إلى منع جريمة الإبادة الجماعية، والمعاقبة عليها وتجريم السلوكيات المرتبطة به، وبذا فهي لا تسلط الضوء على ضرورة منع الإبادة الجماعية المستمرة أو وقفها فحسب، بل توضح أيضًا أن تقاعس الدول الأطراف في المعاهدة، بما في ذلك الدول الثالثة منها، ينطوي على تواطؤ إجرامي على فعل جرم الإبادة الجماعية بالذات. كما تحظر الاتفاقية من بين جملة أمور أخرى، قتل أعضاء من الجماعة، أو إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بهم، أو إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يقصد بها تدمير أفرادها المادي كلياً أو جزئياً. وترقى هذه الأفعال إلى حدّ الإبادة الجماعية في حال كانت الجماعة ذات صفة قومية، أو إثنية، أو عنصرية أو دينية، وأيضاً إذا ما ارتكبت هذه الأفعال بقصد تدمير هذه الجماعة كلياً أو جزئياً، ويُفسّر مصطلح (جزئي) باستهدافه أي جزء كبير من الجماعة. ولا تسمح الاتفاقية بأي تبرير يسوغ الإبادة الجماعية، إذ لا يُسمح بارتكاب هذا الجرم على سبيل الانتقام (كما تفعل اليوم القوات المحتلة في غزة)، أو الرد على الأفعال غير المشروعة مهما كانت خطورتها، كـ(هجمات حركة حماس الارهابية).

جامعة الدول العربية خارج السمع والنظر والنطق:
ان تأييد الولايات المتحدة والدول الغربية لاسرائيل من جهة، و تهافت الانظمة العربية على التطبيع معها من جهة ثانية، شجّع اسرائيل على ارتكاب المزيد من الانتهاكات والجرائم بحق الفلسطينيين متحدياً لجميع القوانين والمواثيق والاعراف الدولية واستخفافا واستهتارا صارخين بكل القيم الانسانية، أما جامعة الدول العربية فهي خارج السمع والنظر والنطق والفعل كعادتها وتنتظر ما ستفضي إليه (السيوف الحديدية) وما سيتخللها من جرائم الإبادة واستخدام الاسلحة المحرمة دوليا بحجة القضاء على حركة حماس، لتستفيق في النهاية من سباتها وهي تشعر (بقلق متزايد)، وتدعو لضبط النفس وتخفيف حدة التوتر وعودة الحياة إلى مجراها الطبيعي!

اللعنة على الانفال وطوفان حماس والسيوف الحديدية الاسرائيلية...

اللعنة على الصمت...