أنظمة الأزمات والمساومة والإبتزاز؛ وتوسيع السلطة الداخلية بقتل الأطفال والنساء والأبرياء في غزة ولا غرابة في ذلك فقد سبق وأن اعتادوا على قتل الأطفال في إيران والعراق وسوريا واليمن..

في إيران عندما كانوا يقتادون الفتية من المدارس إلى جبهات القتال ليزجون بهم في حرب لا مبرر لها ولا طائل منها ولا ذنب لهؤلاء الأطفال الفتية فيها سوى أن كبيرهم يرغب في الإنتقام ويتوسع برؤيته الجديدة المدعومة من الغرب الذي أتى به على طائرةٍ خاصة من أجل هذه الرؤية التي لم تكن فلسطين ولا القدس ضمن بنودها، ولكن تطلب الشعار فيما بعد إدراج فلسطين والقدس ضمن البنود لتبرير الحرب على العراق واحتلاله على اعتبار أن احتلال العراق تحريرٌ وضرورة لتحرير القدس ليكون العراق الطريق إلى سوريا الأسد التي كانت ضمن الرؤية والمخطط وكان ولا زال الأردن مستهدفُ ضمن المخطط، ولو دققنا قليلا في شعار (تحرير القدس عبر كربلاء) لوجدنا أن الأردن هو الوجهة الثانية بعد العراق فالفاصل بين والأردن وكربلاء هي محافظة الأنبار العراقية الحدودية مع الأردن، ومع انكسار الملالي في عدوانهم المُبرر على العراق؛ المبرر بشعار (تحرير القدس) بات الشعار بعد ذلك للهتاف والضجيج ليس إلا، ولمن يريد أن يستدل بدليل على ذلك فلينظر إلى شق صفوف الفلسطينيين بدلاً من رصها وتوحيدها ولينظر إلى السياسة العدائية الدفينة التي مارسها ويمارسها ملالي إيران تجاه منظمة التحرير الفلسطينية وهي شرعية النضال الفلسطيني.

كان قتل أطفال العراق في حرب الثمان سنوات البغيضة ومن خلال المشاركة في احتلال العراق عام 2003، وكذلك من خلال تأجيج الحرب الطائفية، وحرب داعش التي لا شك أن الملالي كانوا جزءا من صناعتها وهذا باعترافات قادة النظام العسكريين وما جرى على أرض العراق من قبل جند الملالي فيه من تهيئة الأمور لـ داعش أيضاً دليلٌ على ذلك.

قتل العشرات من أطفال إيران ومئات الفتيات خلال أقل من سنة واحدة في أحداث الانتفاضة الوطنية الإيرانية 2022 أيضا دليلٌ على عدم إكتراث نظام الملالي بموت الأطفال أينما كانوا في سبيل تحقيق غاياتهم والغاية تبرر الوسيلة، وهنا لا فرق في النهج بين من يحتل فلسطين ويقتل الأطفال والنساء والأبرياء بشعار الغاية تبرر الوسيلة ومن يحتل العراق واليمن وسوريا ولبنان ويغامر بأبناء غزة وفلسطين بنفس الشعار (الغاية تبرر الوسيلة)..، وهنا لسنا ضد تحريرهم لفلسطين والقدس إن صدقوا لكننا ضد المزايدات والمغامرات والباطل في المسعى، ومهما قدموا وفعلوا فلن يقدموا تضحيات بحجم ما قدمه العرب لأجل فلسطين طيلة مئة سنة مريرة على قلب كل حر في عالمنا.

من المؤكد أنه لا علاقة لهم لا بغزة ولا بفلسطين ولا بالقدس بقدر ما يتعلق الأمر بتوسعة وحماية جبهتهم الداخلية خاصة في ظل عملية المواجهة الصعبة بينهم وبين الشعب الإيراني الرافض لهم، وهنا تأتي كل المشاريع والشعارات الخارجية كوسائل لدعم بقاء نظامهم وتوسعه داخلياً وخارجياً، ولا تخطو علاقة الملالي بالقدس وفلسطين بعيداً عن شكليات الشعار فلو أرادوا تحرير القدس لحرروها أو أقدموا على تحريرها منذ عقدين عندما احتلوا ليس كربلاء وحدها وإنما حتى الأنبار والموصل وسوريا وكل الطرق المؤدية إلى القدس لكنهم لم يفعلوا ذلك لأن الأمر لا يعنيهم وكذلك لا خلاف بينهم وبين المحتل الغاصب لفلسطين والقدس المقدسة، وكذلك لا يريدون أن يدخلوا في حرج مع أصدقائهم الأمريكان الذين مكنوهم من العراق وأهدوهم على طبق من ذهب.. وتلك صورة من صور المشهد الحقيقية.

وفي صورة أخرى من صور المشهد يُظهر تحليلاً دقيقاً للطبيعة التوسعية المتنامية لكلا الاحتلالين الاحتلال التوسعي للصهاينة في فلسطين واحتلال الملالي التوسعي للبلدان العربية والتضارب بين الاحتلالين؛ يُظهِر هنا أنهما يسعيان إلى التمدد في المنطقة ذاتها فالصهاينة يريدون دولة من النيل إلى الفرات أي دولة تمتد من مصر إلى العراق بجوار إيران، ويسعى الملالي إلى إقامة إمبراطورية تمتد من أفغانستان وإيران شرقاً ولا تقف إلا عند سواحل إفريقيا على المحيط الأطلنطي، ومن هنا يأتي عنصر الاختلاف والمخاوف إذ ينطلق كلا الطرفين المُحتلين لأراضٍ عربية في توسعاتهما من منطلقات تاريخية؛ ووفقاً لتلك المنطلقات فإن كلاهما يهدد مخططات الآخر التوسعية، وفي حين يرى كلا منهما أن مخططاته غايةً مقدسة لابد من وصولها يتوقع كل منهما أن يكون هدفاً للآخر خاصة أن الملالي يضعون في حسبانهم أن تعرضهم للاعتداء من قبل أصدقائهم الصهاينة أمراً وارداً.

ونقلاً عما ورد في افتتاحية لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة تحت عنوان (الدرع الغزاوي) وقد جاء فيها: لقد ظهر ذلك واضحاً من خلال الخطب التي أُلقيت من فوق منابر صلاة الجمعة الإستعراضية في إيران حيث تحدث المسؤولون علناً عن "بركات" الحرب في غزة إذ قال عبادي زاده خطيب الجمعة الاستعراضية في بندر عباس إنه "إذا لم نكن اليوم في مواجهة مع الصهاينة على طول حدودهم فسوف يأتون غداً إلى منازلنا" فيما قلل البعض من أهمية القتل والتشرد في القطاع كما فعل وزير الخارجية الأسبق ورئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية وأحد بُناة الرؤية الشوفينية التوسعية كمال خرازي الذي أفاد بأن حماس "كانت تعلم بالتأكيد أنها ستواجه القتل الجماعي لأهالي غزة" وخاطب جماعة خامنئي قائلا "الفلسطينيون معتادون على التعايش مع جرائم القتل التي يرتكبها العدو" و"مستعدون لدفع مثل هذه التكاليف للحصول على النصر الاستراتيجي"، وسبقه أمين سر المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية عباس عراقجي الذي قال: إن الاستراتيجية الأساسية للمقاومة هي "المقاومة" و"الاستعداد لدفع تكاليفها" وهذا ما تنتظره حماس والجهاد في غزة.، وهنا قد أباحوا لأنفسهم احتلال أراضي الغير من أجل مخططاتهم.. ذلك قولهم وليس قولي فهل نعي الدرس؟

والواضح هنا أيضاً من هذه التصريحات أن نظام الملالي في إيران أن يجعل من الفلسطينيين کبش فداء وضحايا لأهدافه الشريرة وهي حقيقة تعترف بها بعض الصحف الحكومية حيث أشارت صحيفة هم ميهن إلى أن "قضيتهم ليست فلسطين ولا إسرائيل بل توسيع السلطة الداخلية" ويستند نظام الملالي في ذلك إلى فرضيات خميني التي ترى في توسيع السلطة الداخلية أوجب الواجبات وتبرر تحويل الناس إلى دروع وهو ما يبرر قتل المسلمين وغير المسلمين من أجل السلطة الداخلية.

وهنا يظن خامنئي أنه بتحويل أهالي قطاع غزة إلى درعٍ بشري فداءً لنظامه قد يفر من خطر الانتفاضات الشعبية المتتالية على رأس نظامه؛ لكن مسار التطورات يُظهر كل يوم أكثر من سابقه ارتداد ترويجه للحروب الإجرامية على نظامه ليواجه خطر السقوط الحتمي.
يتعامل نظام الملالي الحاكم في ايران مع الكوارث التي يتعرض لها أهالي قطاع غزة باعتبارها أداة لمساومة الغرب من جهة، ومن جهة أخرى إشغالاً للإيرانيين عن قضاياهم الداخلية.

وتلك هي أنظمة الأزمات ومنها نظام الملالي الحاكم في إيران الذي رفع شعار تحرير القدس عبر كربلاء، وها قد أصبح كلٌ من العراق وسوريا في يده ولم يحرر القدس ولن يحررها والسبب ببساطة هو أن الشعار لم يكن لتحرير القدس وإنما لخلق أزماتٍ يتوكأ عليها، وحالة من الحماس التجاري يمكن تسميته بالثوري على مدار فترة طويلة من الزمن فيصبح قاعدةً وفق قاعدة (إكذب وأكذب ثم إكذب حتى يصدقك الآخرون) وصدق النظام نفسه وصدقه جمع من المنتفعين ومثله من السذج والجهلة، ومع تعاظم الرغبة الغربية في إعادة رسم منطقة الشرق من جديد كمنطقة نفوذ لهم بعد تعاظم الدور الصيني والروسي واقتراب الأتراك من التحرر من قيودهم بعد فوز اردوغان لابد من أزمة تتيح للغرب إعادة رسم المنطقة، ولطالما هناك نظام أزمات مماثل في طهران مُستعدٌ لفعل ما يلزم مقابل أن يتم الصمت عنه والتغاضي عن جرائمه، ومع وجود من يريد في سلطات الاحتلال في فلسطين تطبيق نبوءة سفر اشعياء، وبعد مليارات الدولارات الأمريكية التي وصلت أيدي الملالي تدخل الأفكار والمخططات حيز التنفيذ وتكتمل متطلبات المشهد.. ومن هنا تردد على مسامعنا مصطلح التغيير في الشرق الأوسط وليس القضاء على أهالي غزة الأبرياء العزل وتعليق قضية فلسطين فحسب.. وهذه هي الحقائق حتى يأذن الله بنصره إنه قوي عزيز.