منذ إعلان حزب الله رسمياً عن خطاب الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله بعد ظهر يوم الجمعة، وهو أول ظهور له منذ عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية، والتوتر الذي تلاها على الحدود الجنوبية للبنان، لم تتوقف التكهنات في إسرائيل ولبنان حول الأسرار المحيطة بهذه الكلمة المنتظرة وما يمكن أن تحمله بين جنباتها من تصعيد، وفقاً لبعض التقديرات.

في الوقت الذي يُعَدُ فيه الاستعداد للخطاب المُنْتَظَر محيرًا، يطرح الكثيرون علامات استفهام حول ما سيتحدث عنه السيد نصر الله، وأيضًا حول ما قد يحدث بعد الخطاب. هل سيكون نقطة تحول بين مرحلتين كما يعتقد البعض؟ هل سيكون إشارة لزيادة تورط حزب الله في الحرب، وبالتالي انتهاك لقواعد الصراع المُحْتَرَمة حتى الآن؟ وهل سيكون التصعيد محور الخطاب، سواء في القول والعمل؟!


أحد التساؤلات التي يطرح في هذا السياق هو السؤال عن "التكتيك" الذي تبعه الحزب بشأن الإعلان عن الظهور الأول لأمينه العام بهذه الطريقة، لماذا اختار تحديد تاريخ الخطاب قبل خمسة أيام من موعده، وهو فترة تبدو "واسعة" مقارنة بالظهورات المماثلة، حيث عادةً ما يعلن الحزب عن مواعيد خطابات أمينه العام قبل 24 أو 48 ساعة، وفي بعض الأحيان حتى قبل ساعات معدودة، خصوصًا أثناء فترات الحروب.
فيما يتعلق بالمتابعين، فإن هذا الأمر ليس "مضيعة وقت" بأي حال من الأحوال، بل يعتمد الحزب على "تأخير" الكشف عن الإعلان كجزء من "الحرب النفسية" التي يخوضها مع العدو الإسرائيلي. وكان الصمت جزءًا من ذلك خلال المرحلة السابقة، التي يمكن تصنيفها بأنها المرحلة الأولى، بهدف زيادة مستوى القلق لدى الجانب الإسرائيلي. ويتجسد ذلك في التعامل مع الإطلالة القادمة وزيادة مستوى الحذر كلما اقترب موعدها.

بهذا المعنى، إذا كانت هناك أسباب عدة دفعت الحزب لاختيار يوم الجمعة بشكل خاص لـ"كسر صمت" أمينه العام، والانتقال إلى مرحلة جديدة من المواجهة. بين هذه الأسباب الاعتقاد في الحزب بضرورة "تكريم" الشهداء الذين سقطوا منذ الأيام الأولى والذين وجه السيد نصر الله بمعاملتهم كـ "شهداء على طريق القدس". وعلى الرغم من ذلك، هذا لا يعني أن "الحرب النفسية" قد انتهت بشكل نهائي، بل ستتواصل وتستمر في المرحلة القادمة، ولكن بأشكال متنوعة.
بين التقييم والتصعيد، تُرسَم العديد من علامات الاستفهام من الشكل إلى المضمون بخصوص ما يحمله الكلمة المُنتظرة من "مفاجآت" حيث يُحرِص العارفون بأدبيّات "حزب الله" على التأكيد أن جعبة السيد تحتوي على الكثير، فهل هذا يعني أن الخطاب سيكون تصعيديًا وحربيًا بكل ما يحمله ذلك الكلمة من معنى؟ وما هي حدود هذا التصعيد؟ وهل يمكن للبنانيين أن يتذكروا عبارة السيد نصر الله التي ترسخت في ذاكرة حرب تموز وتقول "أنظروا إليها تحترق"، وهي تشير إلى البارجة الحربية الإسرائيلية؟
على الرغم من أن الخطابان في يوليو 2006 ونوفمبر 2023 مختلفان بسبب تغير الظروف والبيانات الموضوعية، إلا أن العقول الحكيمة لا تستبعد أن يكون للخطاب المنتظر عنصرًا من "حرب نفسية" بين الجانبين، حيث يقوم السيد نصر الله بكشف العديد من "المفاجآت"، ولكن هذا يأتي في إطار "تهديد العدو" وتحذيره من أي "حماقة" يمكن أن يرتكبها في المستقبل في غزة أو لبنان.

تم تخطيط وترتيب وقت إعلان اليمن انضمامها إلى المعركة بشكل مدروس ومحسوب، حيث يأتي هذا الإعلان بعد توضيح الصورة العسكرية والسياسية والأخلاقية للمشهد الحالي. فمن الأمور المؤكدة أن أمريكا، كما ذكرنا منذ الأيام الأولى لاندلاع الصراع في الأقصى، هي التي تدير الحرب، وليست وحدها بل بالتعاون مع دول الغرب وحلف الناتو.

الصراع ليس بين حماس وغزة وإسرائيل، بل هو بين حماس والمقاومة الإسلامية في غزة ولبنان من جهة، وبين الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل من جهة أخرى. إنه صراع بين مقاومة شعبية مسلحة وكيان احتلال مغتصب ودول حلف الناتو.

أصبح نفاق وكذب وتضليل الولايات المتحدة والغرب ليس سرًا على أحد، بل أصبح مكشوفًا وصارخًا؛ حيث يعلنون عكس ما يقومون به، ويزعمون ضرورة عدم توسع رقعة الحرب بينما هم داخلونها من أول أيامها، وذلك بأوسع مداها.

ليس هناك حاجة لجيش عربي أو إسلامي لتحقيق النصر والاستمرارية. المقاومة في جميع مناطقها (غزة، الضفة، لبنان، اليمن، العراق، سوريا) قادرة على تحقيق ذلك.

هل لم تحقق المقاومة النصر في لبنان وغزة؟ هل لم يحقق الحشد الشعبي النصر في حربه ضد الإرهاب في العراق؟

ماذا سيقول سيد المقاومة في خطابه؟

هل سيخبرنا بأنّ "رجال المقاومة الآن على وشك دخول الجليل أو يقومون بأعمالهم في مزارع شبعا"؟

هل سيخبرنا بأنّ "الصراع البري الحالي بين غزة وإسرائيل وأمريكا وحلف الناتو، ونواياهم نقلها إلى جنوب لبنان غدًا، فلنكن غير مستعدين"؟
هل سيخبرنا بأن هذه الجموع والأساطيل وقوات النخبة الأمريكية ليست محصورة فقط في غزة، بل هي لأبعد من ذلك؟ فإننا مستعدون
هل سيقوم بإخبارنا "سنحرر أراضينا وسنقاتل إسرائيل براً وفي الميدان وفي ساحات الحرب، فإذا تجاوزت إسرائيل بيروت والمدن بالقصف الجوي، سنقوم بقصف تل أبيب ومدن إسرائيل بالصواريخ...؟"

بعد أن أشاد بانتصارات غزة والمقاومة في جنوب لبنان، سيرسم السيد معادلة وقواعد اشتباك جديدة، وسيكشف عن جرائم الكيان الغاصب وداعميه.

وفقاً لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية اليوم، هناك تواجد متزايد للقوات الأمريكية في إسرائيل، الأمر الذي يدل على الوعي الأمريكي بنوايا حزب الله في خوض صراع بري واسع في شمال فلسطين.

على الأرجح، يجب أن يكون هناك سبب واضح للتوقيت المتزامن بين وصول قوات أمريكية جديدة إلى إسرائيل وخطاب نصر الله غدًا
عند نشر حزب الله مقطع فيديو ثانٍ اليوم في ١ نوفمبر ٢٠٢٣ لأمينه العام وظهور وجه السيد حسن نصرالله وصورة القدس مع مقتطف قرآني "وكان وعدًا مفعولًا" ، فإنه لابد من وجود سبب.

وعد السيد بأن الخطاب سيشمل رسائل موجهة إلى جميع فصائل المقاومة، أينما كانت ومهما كانت أعمالها وتسمياتها ومواقعها الجغرافية.

سيكون الخطاب الموعود المدروس يقدم السيد كزعيم لمحور المقاومة وكزعيم لمعارك التحرير، بهدف جعل المعركة فلسطينية وعربية في الهوية وإسلامية في الانتماء، وموجه لتحقيق أهداف التحرير لتحرير الأراضي العربية المحتلة.

بعد فترة تقريبية من شهر وبعد انكسار العدو وارتكاب جرائمه، تم استنفاذ قدراته التدميرية، ليس فيما يتعلق بالمخزون، ولكن فيما يتعلق بالتأثير والنتائج. قام العدو بتدمير القطاع ولكنه في نهاية الأمر فشل وانكسر، وتم عرض صورته وحقيقته أمام العالم. ببساطة، خسر العدو الرهان على قوته التدميرية وفقد آماله في تحقيق النصر من خلال سياسة الأرض المحروقة.

هل يمكن أن يتحمل تصدي قوات الرضوان وهو مهزوم وليس لديه خطة في المعركة المقبلة؟ وما هي العروض التي ستقدمها الولايات المتحدة له بخلاف السلاح؟