أكبر حلم للصين هو استعادة تايوان وضمها الى الاراضي الصينية، كانت الفرصة مؤاتية للصين في تحقيق هذا الحلم بعد جائحة كورونا التي انطلقت من الصين نفسها وسببت إرباك صحي وأقتصادي وسياسي لجميع دول العالم ثم تبعتها الفوضى الذي سببته عملية الاجتياح الروسي لأوكرانيا ثم تبعتها الأزمات العالمية التي صاحبت ذلك الاجتياح من أزمة الوقود الى أزمة الحبوب الى التوتر وعدم الاستقرار في معظم مناطق الكرة الأرضية، لكن الصين لم تتجرأ أن تستغل هذه الفرصة الذهبية في إعادة تايوان الى الوطن الأم، بل لم تتجرأ أن تطلق رصاصة واحدة ضد تايوان.

الصين لم ولن تفكر في استعادة الاراضي التايوانية وضمها للأراضي الصينية عسكرياً أو بالقوة، فهي تعرف ثمن هذا الخطأ أن فعلته سيكون كبيراً.. الخوف من أمريكا وحلف الناتو هو السبب الوحيد الذي يمنع الصين من هذا التوجه، الصين محاطة بأحدى عشرة دولة معادية لها وموالية للغرب وفي معظم هذه الدول تنتشر القواعد العسكرية الامريكية إضافة الى وجود الأساطيل البحرية الأمريكية قبالة المياه الإقليمية الصينية، في الوقت الذي لا تمتلك الصين زورق واحد قبالة المياه الإقليمية الأمريكية او حتى الأوربية، هذا يعني أن أي نزاع يشتعل حول تايوان ستكون الأراضي الصينية مسرحاً لهذا النزاع.

أقتصاد الصين قائم على الصادرات الصناعية والتكنولوجية والترفيهية الى دول العالم وخاصة أمريكا وأوروبا فأي خلل يصيب هذه الصادرات فأن ذلك يعني أن الصين ستتعرض الى كارثة أقتصادية، فهي تستورد الوقود والنفط وتستورد المواد الأولية لصناعاتها من دول بالتأكيد هي دول موالية للغرب، يعني شريان الحياة للأقتصاد الصيني ليس بيد الصين، لذلك فأن الصين لا يمكن أن تفكر في أية مواجهة مع الغرب حتى وأن أضطرت أن تعترف بتايوان كدولة مستقلة، تايوان اليوم ليست تلك تايوان التي أنفصلت عن الصين قبل عقود من الزمن، تايوان اليوم دولة صناعية متطورة تنافس الدول المتطورة فهي كاليابان وكوريا الجنوبية فلم تعد لقمة سائغة للصين.

بعض الناس الذين يجهلون هذه الحقائق يمنون النفس بأن الصين قادرة على تغيير خارطة العالم وهم يرون كيف هي عاجزة عن ضم شبر واحد من تايوان لأراضيها، ونفس هؤلاء الناس كانوا يعتقدون أن روسيا بوتين تلك الدولة العظمى قادرة أن تسحق أمريكا وحلف الناتو، وها هي روسيا تتوسل إنهاء الحرب مع اوكرانيا، فلماذا هذه المراهنات الفارغة؟

هل يعلم هؤلاء المراهنون بأن الصين بدأت تدريجياً سحب يدها من روسيا وعدم رضاها في احتلال اراض أوكرانية، وهي الآن تطالب روسيا بأستعادة أراض لها أستقطعتها روسيا من الصين قبل أكثر من مائة عام.

جميع التكنلوجيا الصينية ليست من أبداع العقل الصيني كما هو الحال عند الدول الغربية بل هي سرقات لأبداعات العقل الغربي، والدول الغربية ليست غافلة عن ذلك بل أن الدول الغربية هي نفسها سمحت للصين أن تستنسخ التكنلوجيا الغربية وتصنعها وتبيعها بسعر بخس، فهل مثل هذه الدولة تظنونها ستكون نداً للعالم الغربي؟

هذه حقائق يعرفها الصينيون أنفسهم، ويعرفون أيضاً بأن الطلبة الصينين يملئون الجامعات الامريكية والأوروبية باعداد تصل الى مئات الالوف من أجل الدراسة وكسب المعرفة ومن ثم نقلها الى الصين لتطوير بلدهم، فهم على دراية بأن العلم والمعرفة الحقيقية توجد في دول العالم الغربي، في الوقت الذي لم نسمع بوجود طلبة دراسات جامعية من الدول الغربية تدرس في الصين الا أعداد قليلة جداً لا تتجاوز العشرات ومعظمهم في تخصصات اللغة او المجالات الإنسانية، القيادات الصينية تدرك كل هذه الحقائق وتدرك أيضاً بأن الصين لحد سبعينيات القرن الماضي كان الوزير في الصين يذهب لوزارته بالدراجة الهوائية بسبب الفقر، ولكن بعد دخول الشركات الغربية العملاقة والانفتاح الصيني نحو الغرب تغيرت أحوال المجتمع الصيني وتطورت كثيراً، لا أظن ان الصين تتنكر ليد الخير التي مدت إليها من الدول الغربية ولن تنسى الظروف التي مرت على الصين قبيل الأنفتاح على الغرب عندما كان الإنسان الصيني يتغذى على الحشرات وعلى أوراق الشجر، للأسف هناك الكثير من الناس يجهلون ما يعرفه الشعب والقيادة الصينية عن أنفسهم، لهذه الأسباب وتلك لا يمكن أن تفرط الصين بعلاقاتها مع الدول الغربية، حالها حال المحروم الفقير الذي ذاق الغنى بعد الجوع لا يمكن أن يعيد نفسه للفقر طواعية، فالغرب جاهز لفرض الحصار على كل من تسول له نفسه التجاوز على الموازيين الدولية الأممية والتجربة خير برهان.

فمن يريد الرهان على الصين لتغيير النظام العالمي وسحق الحضارة الغربية فليتذكر أولاً أن الصين نفسها لا تراهن على نفسها فما الصين الا مصنع رخيص لجميع دول العالم صنعها الغرب بسبب رخص الأيدي العاملة فيها. هذا التفسير يؤكد لنا بأن ما تفعله الصين بين الفينة والاخرى حول التهديد باحتلال تايون، إنما تفعل ذلك لكسب بعض الامتيازات من الدول الغربية.