بعد أن نجحت وساطة قطر ومصر في تمديد الهدنة ليومين آخرين بالشروط نفسها لوقف إطلاق النار السابق الذي استمر أربعة أيام، ومقابل صفقة ثانية من تبادل الأسرى، تباينت الآراء ما بين قائل بهشاشة الهدنة وتأهب طرفي الحرب لخوض جولة ثانية من التصعيد، وبين مؤكد لإمكانية تحقيق المزيد من التقدم والنجاح في الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار. وفيما يرى البعض أنَّ قطر قد لاقت تجاوباً من الجناح السياسي لحركة حماس مكنها من المضي قدماً في حل أزمة الرهائن وتحقيق أول اختراق في مسألة إنهاء الحرب، ترى أوساط أخرى أنَّ الجناح العسكري قد لا يبدي استعداداً كاملاً للسير بنفس خطة قادة حماس في الخارج، وذلك نظراً لأنَّ المسألة مرتبطة بموقف إيران من الهدنة، وتأثيرها على مكتسباتها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية من طوفان الأقصى.

ولنفهم كيف تسير الأمور من الداخل يجب علينا فهم ديناميات التفكير السياسي والإيديولوجي لكل جناح من حركة حماس، وطبيعة علاقاته الخارجية، ومدى تأثيرها على قراره السياسي. لقد كان الجناح العسكري في حماس الأكثر حماسة دوماً لتعزيز العلاقة مع إيران، نظراً لاعتبارات براغماتية تحكم مواقفه ومقارباته، وأبزرها حاجته إلى التمويل التي تلبيها إيران. لهذا ظلت العلاقة مع طهران مطلبًا استراتيجيًّا لقادة الداخل. في المقابل، فإن الجناح السياسي يرى أن قطر لا تمثل فقط داعماً مالياً وسياسياً، بل هي في الوقت ذاته الحاضنة الأكثر قرباً من البعد العربي، والحليف الموثوق الذي يمكنه لعب دور الوساطة والاستفادة من موقفه القوي وارتباطاته المتينة مع الإدارة الأميركية التي تصنفه كحليف استراتيجي أول في المنطقة.

الجناح السياسي في حماس، ومند السابع من أكتوبر وما سمي بطوفان الأقصى، كان قد رسم الخطوط العريضة لمطالبه، وأعلن عن قائمة من الشروط مقابل تنفيذ صفقة تبادل الأسرى، في حين كان الجناح العسكري ينتظر التطورات على الجبهة اللبنانية التي سيعزز اشتعالها من موقف الحركة التفاوضي، وهو الأمر الذي يتقاطع مع الرغبة الإيرانية في إشراك كل ساحاتها في طوفان الأقصى، لكن دخول واشنطن على الخط وتحرك أسطولها الخامس في مضيق هرمز جعل المسؤولين في طهران يعيدون قراءة الموقف ويتراجعون عن الزج بالجبهة اللبنانية في مواجهة موسعة قد تمتد شظاياها لتصيب مصالح إيران الاستراتيجية في مضيق هرمز، وتهدد حزب الله بمعركة مع القوات الأميركية في جنوب لبنان.

إيران تقول إنَّها ترحب بالهدنة وتأمل أن تستمر من أجل ألا يتسع نطاق الحرب ومع ذلك فان الذي يجري على الأرض يتبث عكس ذلك فالفصائل المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري ليست لها علاقة باتفاق الهدنة في غزة وتبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل ويتضح ذلك من خلال استهداف القواعد الأمريكية قبل هدنة والتهديدات التي أطلقها حزب الله العراقي عبر المتحدث باسمها محمد محي بمواصلة استهداف القوات الأميركية وتوسيع نطاقه وربما استخدام أسلحة جديدة، بينما تصارع قطر الزمن من اجل تمديد أطول للهدنة وذلك بعد أن تحصلت كارت أخضر من قيادات جناح حماس في الخارج بممارسة ديبلوماسيتها لفك الخناق على غزة والحصول على مكتسبات من صفقة تبادل الأسرى تنقذ الوضع الانساني من الانهيار .

هذا التجاذب بين الجناحين العسكري الموالي لإيران والسياسي الموالي لقطر، ينبغي ألا يلقي بظلاله على الديناميكيات الداخلية لصناعة القرار داخل حماس، وإلا فسيتحول إلى لغم كبير يهدد بنسف صفقة تبادل الأسرى ومصير الهدنة، بعدما أصبح التحدي الأكبر بالنسبة إلى قيادات الخارج هو إقناع قيادات الداخل بعدم اتخاد أي خطوة تصعيدية من شأنها أن تقطع الطريق على الجهود الدبلوماسية التي قطعت شوطاً طويلاً من أجل الوصول إلى هدنة إنسانية تراعي مصالح الناس والأوضاع الصعبة التي ترتبت عن هذه الحرب.