أَدانت دول الغرب ما قامت به المُقاوَمة الفلسطينية يوم السابع من أكتوبر، واعتبرتهُ "إرهاباً" ضد إسرائيل، في موقف يدل على انحياز إلى جانب إسرائيل واعتبار جرائمها في حقّ الشعب الفلسطينيّ دفاعاً عن النفس. وقد صرَّح مُعظم رؤساء الغرب عَلَناً بأنّهم على استعداد لتقديم كل الدعم لإسرائيل في حربِها، في تناس واضح لحقيقة أن الأراضي الفلسطينيّة مُحتلَّةٌ من قِبَل إسرائيل، وأن مِن حقّ المُقاوَمة أنْ تَعمَل على تحرير أرضِها بكُلّ الوسائل، بِما في ذلك المُقاوَمة المُسلَّحة.

أمام الفشل الذريع الذي مُنيَ به جيشها خلال طوفان الأقصى، لجأت إسرائيل إلى الانتقام من الشعب الفلسطيني بقصف عشوائي استهدف بيوت المواطنين الأبرياء في قطاع غزة ومدارس الأونروا والمُستشفيات التي تأْوي اللٍاجئين مِمّن هُدِّمت بيوتهم، ما يُخلِّف يوميّاً المئات من الشهداء والجرحى و المَفقودين، أغلبيتهم من الأطفال والنساء الشيوخ الآمِنين، بالإضافة إلى استهداف الطيران الحربي الإسرائيلي الطواقم الطبيّة وطواقم الإسعاف.

وعمَدت إسرائيل إلى قطع الماء والكهرباء والوَقود عن سُكّان غزة، كما قامَت بقطع الاتصالات والإنترنت، حتى ترتكِبَ جرائِمَها في الظلام بعيداً عن أنظار العالَم الذي بدأَت شعوبُه تَعي وتُدرك ما ترتكبُه إسرائيل من جرائمَ بَشِعةٍ في حقّ الأبرياء في غزة، وأخذت تنتفِض ضدَّ حُكّامِها من خلال مُظاهَراتٍ واسِعة في جُلّ عواصِم العالم، بِما في ذلك أمريكا وأوروبا، بعدَ أنْ أدرَكت أنّ تصريحات مسؤوليها أكاذيب مفضوحة يُسوِّقونها من خلال إعلامِ غير نزيه أو مُستقِلّ.

هذه الأوضاع المُزريّة التي يعيشها الشعب الفلسطينيّ من جرّاء العِقاب الجماعي الذي تُمارسُه إسرائيل وَقَف أمامَها العرَب مُتفرِّجين مُكتَفين بالتنديد، في حين أنّ لدى الدول العربية العديد من أوراق الضغط على أمريكا والغرب من أجل إيقاف النزيف اليوميّ، فإيقاف ضخّ البترول والغاز إلى أمريكا والغرب ومطالبة أمريكا بإزالة قواعِدها العسكريّة من المنطقة كلها أوراق ضغط يُمكن استغلالُها من أجل وَقف العُدوان الهمَجيّ على الشعب الفلسطينيّ.

لقد وضعت إسرائيل أمامَها تحقيق أهداف من خلال هذا العدوان، كانت في أوّل الأمر تحرير الأسرى لدى حماس ثمّ بعد ذلك قالت إنَّ هدفها هو القضاء على حماس. ولما فشلت في تحقيقها بِفضل المُقاومة الباسلة التي كبَّدت الكيان خسائر جدّ فادِحة في الأرواح والعتاد، رضَخت لِشروط حماس في الهُدنة و تبادُل الأسرى، لكنّ قطر ومصر تدخلتا في هذه المسألة، ما أتاحَ للكيان فرصة حفظ ماء وَجهه أمام الشعب الصهيوني المُنتفِض ضدّ رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، الذي كانت تصريحاته كلها كذِب في كذِب، في قضية تحرير الأسرى بالقوّة.

وها هي إسرائيل تبدأ شوطها الثاني في القصف والتدمير والإبادة الجماعيّة للشعب الفلسطينيّ، وبطريقة أشدّ وطأَةً و قَساوَةً دون أيّ اعتبار لنداءات تطالب بتمديد الهُدنة لإفساح المَجال أمام مرحلَة ثانيَة لِتبادُل الأسرى. وما يُسمّى هُدنَة مُؤَقَّتة لِتبادُل الأسرى هي لُعبَة إسرائيليّة، فَلمّا عجِزت إسرائيل عن تحرير الأسرى بِقوة السّلاح، كما وَعد مسؤوليها السيّاسيّين والعسكريّين الشعب اليهوديّ، اضطرت مرغمة إلى الهُدنة لِتحرير الأسرى من أجل تهدِئَة الشارع الإسرائيلي. وبعدَ تحقيق نتنياهو هدفه السياسيّ، لم يعُد يسمع في حاجَة إلى الهدنة في الوقت الرّاهن، وهذا نموذج من سياسة الكيان الإسرائيلي في الخِداع و المَكْر والاحتيال.