أحياء على هامش الحياة... ربَّما يكون هذا هو الوصف المناسب لحال 750 عائلة فلسطينية في المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في الخليل، في ظل فرض الاحتلال حظر التجوال بها لمدة شهر كامل كمحاولة منه لشل الحياة هناك، لكنها في الحقيقة ليست إلا نوع من العقاب الجماعي للأهالي.

الحياة اليومية هناك تشبه المأساة، فما بين غلق أحياء وتنفيذ إجراءات تفتيش متكررة ونصب الحواجز الخرسانية أمام الأهالي، ينزح المجتمع السكاني الفلسطيني من الخليل إلى مناطق شبه آمنة احتماء من ويلات الحرب والموت جوعاً في منطقة شُلَّت فيها الحياة الاجتماعية والتجارية.

مخاوف السكان تزداد يوماً بعد يوم، فالوضع أصبح خطيراً بعد توقف شبه كامل لحياة الناس، حيث الآلاف يعيشون في سجن منذ 30 يوماً، فتعطلت أعمالهم ومدارسهم وانقطعت عنهم الحياة وكأنه مشهد تمثيلي لمواطنين عزل تحتجزهم إسرائيل داخل البيوت وتقذفهم بالنار شخصاً بعد الآخر ثم تدفنهم في قبر جماعي.

مبررات الاحتلال لاتخاذ تلك الإجراءات على سكان الخليل واهية، فهو يريد تصدير أزمة غزة إلى الضفة الغربية، وفي الوقت ذاته لا يدرك أن هذا مكسب لحركة حماس لأنها تحاول إشعال الضفة وصب النار على إسرائيل.

ما يساعد على ذلك، تضييق الخناق بغلق الشوارع وتحويل المنطقة إلى ثكنة عسكرية، أما الأهالي الأبرياء فيعيشون خائفين من مصير مجهول وموت وشيك يحدق بهم كل يوم، خصوصاً أنَّ منهم مرضى لا يستطيعون تلقي العلاج، فهل ما يحدث انتقاماً من الفلسطينيين لإرضاء المستوطنين؟ أم ممارسة سياسة القتل البطيء للمدنيين؟

وفق معطيات فلسطينية، يوجد أكثر من 100 عائق مادي وحاجز عسكري وسط الخليل، إضافة إلى نحو 700 مستوطن إسرائيلي موزعين على عدد من البؤر الاستيطانية وسط المدينة. وحتى الوسط الذي يعتبر مركزاً تجارياً لجنوب الضفة الغربية، يفرض الجيش الإسرائيلي فيه قيوداً صارمة على حركة الفلسطينيين، مما أدى إلى نزوح أعداد كبيرة منهم، وشل الحياة التجارية هناك.

في هذا المنطقة، تزداد القيود كل يوم، وارتفعت حالات الإصابة وحالات النّيل من المدنيين كما نصب جيش إسرائيل حواجز إسمنتيّة عند مداخل بعض الشوارع، وأغلق حي تل رميدة في وجه الأهالي، وما زال ينفذ إجراءات تفتيش طويلة عند الحواجز وينصب أخرى فجائيّة في الشوارع تحول بين المواطنين وبين أي احتمال للحفاظ على روتين حياتهم اليومية.

شوارع الخليل تحولت إلى شوارع أشباح. في شارع السهلة وحي تل رميدة الذي تعيش فيه 209 أسر، يسمح الاحتلال بدخول سكان الحي فقط، فيما تدير القوات الإسرائيلية قوائم اسميّة عند حاجز باب الزاوية وترفق بطاقات هوية سكان الحيّ بأرقام لتسهيل العثور على أسمائهم في القوائم المعمول بها عند الحاجز، ووسط هذا يرفض الاحتلال منحهم تصاريح لدخول منازلهم. فكيف يعيش الأهالي وسط كل هذه القيود؟!

المنطقة أيضاً أصبحت بمثابة محكمة تفتيش، كما لو كانت الأندلس، فيتم التفتيش الأمني للأهالي قبل دخولهم الحيّ، وترقيم بطاقات الهويّة، حتى السكان الذين تم ترقيم بطاقات هويتهم يتعرضون لتأخير طويل مدته ساعة أو أكثر، نتيجة لعملية التفتيش.

الطريقة الوحيدة للوصول إلى الأحياء والمنازل بدون المرور بالحواجز محاطة بخطر كبير، فقوات الأمن تهدد باعتقال أي شخص يقبض عليه في محاولة الدخول بهذه الطريقة، وخصوصاً إذا لم يكن مقيماً في الحي، كما لا يُسمح لمتطوعين دوليين ونشطاء في منظمات حقوق الإنسان بدخول الحي، رغم أن وجودهم ضروري لرفع الضرر اللاحق بالسكان.

في منطقة البلدة القديمة والحرم الإبراهيمي، نصب الاحتلال 16 حاجزاً مأهولاً على مدار الساعة بحرس الحدود والجنود الذين ينفّذون إجراءات تفتيش صارمة على جميع المارة، فتسري إجراءات التفتيش هذه على جميع المقيمين دون تمييز. وبالإضافة إلى كونها مزعجة ومهينة في بعض الأحيان، فإنها تسبب تأخيراً متكرراً عند هذه الحواجز، يعاني منه جميع السكان، بمن فيهم كبار السن والنساء والأطفال والتلاميذ من جميع الأعمار الذين يتم تفتيشهم في طريقهم إلى المدرسة وأثناء عودتهم منها.

واقعياً، أصبحت حركة الناس في البلدة القديمة وحي تل رميدة خفيفة للغاية، وهناك انخفاض ملحوظ في عدد المصلين الفلسطينيين في الحرم الإبراهيمي، وأيضا في السوق المجاور له، فظلت بعض المحلات التجارية مغلقة في غياب المشترين، كما أدت سياسة الفصل التي تطبقها إسرائيل في الخليل إلى انهيار الدورة الاقتصادية في مركز المدينة، وسط هجرة واسعة النطاق من قبل الفلسطينيين، حيث لم يتمكنوا من مواصلة العيش في ظل هذه القيود القاسية.

جميع ما سبق أثار المخاوف من أن السلطات تأمل في أن يترك المزيد من المواطنين الذي يعيشون في مركز المدينة منازلهم، من أجل توسيع المناطق الخالية من الفلسطينيين. وكل هذا بالتأكيد يؤدي إلى زيادة الضغط على المدنيين وانهيار اقتصادي يؤدي إلى عواقب وخيمة.