قرار التقسيم 181 الصادر في مثل هذا اليوم 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947 والذي بموجبه أقيم كيان العدو الصهيوني عام 1948، لم يكن أكثر من توصية في أصله، وتحول إلى واقع، وقد نص على "تقسيم فلسطين إلى دولة عربية ودولة يهودية وتدويل الأراضي المقدسة القدس ومحيطها".

مما يؤسف له أن معظم الذين كتبوا عن الحركة الصهيونية وكيانها الغاصب في فلسطين غالباً كانت قراءاتهم للمشروع الصهيو – غربي وأبعاده ضد الأمة والوطن قراءة سطحية، ركزت على الأبعاد السياسية لكل القرارات والأحداث التي صنعت نكباتنا، ولم يقرؤوها بعمق ويركزوا على الأبعاد الاقتصادية وغايات الهيمنة على وطننا وثرواته البشرية والمادية، وجعل الكيان الصهيوني المركز لنظام إقليمي في منطقتنا، والمهيمن على كل شيء، وبقية أقطار الوطن توابع تدور في فلكه! ودعوة هرتزل منذ بداية تأسيس الحركة الصهيونية لقيام نظام سياسي واقتصادي يجمع الكيان الصهيوني والدول العربية المفترض أنها كانت حاضرة في أذهانهم وهم قريبو عهد بها: "ضرورة قيام كومنولث شرق أوسطي يكون لـ(دولة اليهود) فيه شأن فاعل، ودور اقتصادي قائد".

الحاضر الغائب في قرار التقسيم 181/1948 واتفاق أوسلو عام 1993
ورد في قرار التقسيم الذي أسس لشراكة اقتصادية للعدو الصهيوني مع محيطه الجغرافي بدءاً من فلسطين، تحت عنوان:

خطوات تمهيدية للاستقلال: (البند 11) تعين اللجنة لجنة اقتصادية تحضيرية من ثلاثة أعضاء لوضع ما يمكن من ترتيبات للتعاون الاقتصادي، بغية إنشاء الاتحاد الاقتصادي والمجلس الاقتصادي المشترك، كما هو مبين في القسم (د) أدناه، وذلك في أسرع وقت ممكن.

وتحت (د) المشار إليها: الاتحاد الاقتصادي والعبور:
1. يشترك مجلس الحكومة المؤقت لكل دولة في وضع مشروع اتحاد اقتصادي وعبور (ترانزيت). وتحرر اللجنة المنصوص عليها في الفقرة 1 من القسم ب نص هذا المشروع منتفعة إلى أبعد مدى ممكن بمشورة ومعاونة المؤسسات والهيئات الممثلة لكل من الدولتين. ويجب أن يتضمن مسائل أخرى ذات نفع مشترك، وإن لم يتم اتفاق المجلسين الحكوميين المؤقتين على هذا المشروع حتى أول أبريل/ نيسان 1948 فإن اللجنة ستقوم بوضعه.

وبقية البنود تؤسس لشراكة اقتصادية في مشاريع مشتركة يتم الاتفاق عليها، وكيفية تنظيم تلك الشراكة...

مما يؤسف له أيضاً أننا بعد صراع ما يقارب نصف قرن من تاريخ صدور قرار التقسيم لم نفطن إلى هدف العدو الصهيوني من حروبه وتوقيع اتفاقيات سلام مع الأقطار العربية، ولأن الاتفاقيات السياسية يحميها ويقوي تنفيذها الاتفاقيات الاقتصادية والمشاريع الاقتصادية المشتركة، فما أن تم توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، وتم تبادل القناصل والسفراء، وفتح المكاتب التجارية للعدو الصهيوني مع بعض الأقطار العربية، وبدأ عقد القمم الاقتصادية العالمية التي أشرف على تنظيمها (المنتدى الاقتصادي العالمي) الذي مقره دافوس في سويسرا، الذي يسيطر عليه اليهود، والذي يشرف على كل مشاريع عولمة العالم اقتصادياً وأخلاقياً، بدأ العدو الصهيوني طرح مشاريع الشراكة مع أقطار المنطقة، مستغلاً (المادة 16) والملحق الرابع من اتفاق أوسلو، لأن الاتفاق لا يحصر التعاون حول التنمية والمشاريع الأخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، ولكن يمده إلى كافة المنطقة العربية وفي كل المجالات الاقتصادية.

وبدأت تتضح معالم النظام (الإقليمي الجديد) أو (الشرق الأوسط الجديد) السياسية والاقتصادية والأمنية، وكان جوهرها حفظ أمن العدو الصهيوني وتوفير الحماية له، وتحقيق دمجه في وطننا، وحصوله على أكبر المكاسب الاقتصادية على حساب العرب حيث تضمنت هذه المؤتمرات برامج للتعاون الاقتصادي في قطاعات ومشروعات سبق تحديدها، منها:

أ. المشاركة في الموارد الطبيعية والتكنولوجية والبشرية

ب. التعاون في ميادين البحث العلمي

ج. توسيع أسواق المنطقة

د. جذب الاستثمارات الخارجية ومن دول النفط العربية

ه. جذب مؤسسات التمويل الدولية للاستثمار في تطوير البنية الأساسية الإقليمية

و. تأسيس صندوق إقليمي للتنمية في الشرق الأوسط

ز. استيعاب وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي يعيشون فيها

ح. كما تقدمت تل أبيب أيضاً بمقترحات للتنسيق الأمني بينها وبين الدول العربية

ط. إقامة نظام للإنذار المبكر يقوم على جمع وتبادل المعلومات الاستخبارية والأمنية بينها وبين الأطراف العربية، بما يكفل الحيلولة دون حدوث أزمات مفاجئة وإدارة الأزمة وقائياً

وقد كانت أمريكا والعدو الصهيوني يريدان في القمة الأولى فرض نظام أمني فوق إقليمي لوطننا، تسيطران عليه بالاشتراك مع تركيا، ولكنه رُفض من بعض الدول العربية التي أدركت خطورته في ذلك الوقت.

الحال نفسه اليوم، وحرب الإبادة لأهلنا في غزة جارية، التركيز على الحلول السياسية التي تهدف لدمج العدو الصهيوني في نسيج المنطقة وإنهاء الصراع وتصفية القضية بكذبة حل الدولتين! والأطراف السياسية الفلسطينية في هذه الحرب لا تفكر إلا في المكاسب الحزبية، وتم الإعلان عن المشروع على هامش قمة مجموعة العشرين التي عقدت في مدينة نيودلهي الهندية. وسيمتد الممر المقترح عبر بحر العرب من الهند إلى الإمارات العربية المتحدة، ثم يعبر المملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل قبل أن يصل إلى أوروبا. وقد تم تعديله لتقصير المسافة توفيراً للتكاليف والوقت، وتوصيله إلى غزة، نعيد، وتوصيله إلى غزة، حتى يستفاد منه أيضاً في نقل الغاز الفلسطيني المكتشف في بحر غزة، وغالباً سيكون المخل للقبول هم عملية إعادة الإعمار كأحد أهم وسائل الضغط لفرض تسوية ظالمة على شعبنا (حل الدولتين) وما هما بدولتان!