يبدو أن الإدارة الأميركية أبلغت الحكومة الإسرائيلية منذ أيام بوجوب وقف الحرب على غزة، والخروج منها رويداً رويداً، الأمر الذي ولد تناقضاً خفياً في وجهتي النظر الإسرائيلية والأميركية، حيث يشترط الطرف الأميركي أن تتوقف الحرب تماماً قبيل بدء العام الجديد، وهو ما قد يستغربه المراقب الذي يتابع سيل الإمدادات الغربية عبر الجسور الجوية الدائمة، وتموضع البوارج في البحر المتوسط، تمهيداً لتحالف غربي كبير هدفه سحق الفصائل الفلسطينية. والسؤال كيف تنسحب إسرائيل قبل تحقيق هدفها الذي أعلنت عنه والمتمثل بشطب حماس ومن يناصرها من المعادلة؟

من الواضح أن الإدارة الأميركية قد أيقنت أخيراً، وبعد ما يقرب الشهرين على اندلاع الحرب، أن لا أمل يلوح في أفق تحقيق إسرائيل مآربها، فالغرب استفاق من آثار صدمة السابع من أكتوبر، التي جعلته يضع سلة أهداف لا قبل له بإنجازها. ويدرك أي محلل مطلع أن اجتثات حماس من أرضها في غزة بالغ الصعوبة، حتى ولو سقط عشرات آلاف المدنيين ضحايا. فغزة، ولو أبيد شعبها بأكمله، لما انتهت الحرب، ولا حققت إسرائيل الهدف، لأن الضفة الغربية ما زالت تحتضن مئات أو آلاف المقاتلين التابعين للفصائل الفلسطينية المقاومة، ولأن الأهم أن المشكلة في أساسها ستظل قائمة؛ احتلال أرض فلسطين من قبل الصهاينة. فحال إسرائيل آنذاك كحال من يقطع غصناً من شجرة تضرب جذورها عميقاً في الأرض، وسيشتد عودها ويصلب مجدداً.

من مصلحة إسرائيل والمتعاطفين معها والراغبين لهذا الكيان المغتصب بأن يبقى حياً في قلب الأمة العربية - وهي أمة لا تحبذ وجوده بالمناسبة – أن تنحو نحو السلام، وأن تقيم للفلسطينين دولتهم على أرضهم بعاصمتهم القدس، وأن تسمح لملايين اللاجئين الذين اقتلعوا من ديارهم بالعودة، وأن تفهم أنه ما ضاع حقٌ خلفه مُطالب، وإلا فالدائرة تدور على المعتدين، ولا نهاية للحرب ولا فناء لثائر.