في التاسع عشر من شهر آب/ أغسطس عام 1953، وقع انقلاب مشين ضد الحكومة الوطنية للدكتور محمد مصدق، رئيس وزراء إيران الشعبي، وكان لهذا الانقلاب ردود أفعال عديدة داخل إيران والمنطقة. وبالإضافة إلى الاحتجاجات الشعبية الواسعة ضد هذا الانقلاب، حققت احتجاجات وحركة طلاب الجامعات، كمجموعة مطلعة ورائدة في تاريخ الحركة الطلابية، مكانة متميزة.

وفي كانون الأول/ ديسمبر 1953، استمرت المظاهرات الطلابية احتجاجاً على الانقلاب واعتقال وعزل الدكتور محمد مصدق لعدة أيام متتالية، وحتى 7 كانون الأول/ ديسمبر 1953 تم تدمير الكلية التقنية بجامعة طهران على يد الشاه محمد رضا، كما استشهد ثلاثة طلاب محتجين في الكلية التقنية بجامعة طهران، وهم مصطفى بزرك نيا وأحمد قندشي ومهدي شريعت رضوي، بنيران مباشرة من قبل عملاء الشاه القمعيين.

مضت 70 سنة منذ ذلك اليوم التاريخي، يُطلق على هذا اليوم اسم "يوم الطالب" في أوساط الحركة الطلابية على مستوى إيران، ويتم إحياء ذكراه كل عام تخليداً لذكرى هؤلاء الشهداء الثلاثة الذين سقوا بذور هذه الحركة المناهضة للدكتاتورية بدمائهم، واليوم، في الجامعات الإيرانية، يتم تكريم رواد الحرية هؤلاء ويتم أداء القسم على مواصلة طريقهم لتحرير البلاد من أغلال الدكتاتورية والطغيان.

في السبعين سنة الماضية، لم تكن هناك حركة أو انتفاضة أو ثورة سياسية في إيران إلا ومرت بالجامعات ومراكز التعليم العالي، وخير دليل على هذه العلاقة المتبادلة هو انتفاضات العقدين الأخيرين في إيران، والتي رسخت تواصل الطلاب والجامعات مع الشعب ضد دكتاتورية ولاية الفقيه. إن الدكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران تخشى بشدة من الحركة الطلابية؛ ولذلك، فمن خلال اللجوء إلى جميع الأساليب، من تهديد واعتقال الأساتذة والطلاب المتظاهرين إلى مهاجمة الجامعات وسكن الطلاب وضرب الطلاب حتى الموت، حاولوا قمع الطلاب المتظاهرين والانضمام إلى الانتفاضة الوطنية وفصل صفوفهم عن بعضهم البعض.

في الانتفاضة الوطنية للشعب الإيراني عام 2022، والتي أشعلها مقتل شابة كردية تدعى مهسا (جينا) أميني على يد ضباط الشرطة، منذ 16 أيلول/ سبتمبر 2022، كان الطلاب في حالة غضب مستمر، وتضامناً مع كافة شرائح الشعب، عادوا إلى الحياة ولعب المتظاهرون عن جدارة دورهم القيادي في استمرار ورفع مستوى الانتفاضة الوطنية، حيث كانت الحركة الطلابية الإيرانية في هذه الانتفاضة أحد مراكز الاحتجاجات الرئيسية والملهمة وقيادتها في طريق إسقاط النظام القمعي.

وفي إشارة إلى نفس التطرف الموجود في الجامعات في جميع أنحاء إيران، كانت لدى الخميني شخصياً ضغينة غريبة ضد الأكاديميين والطبقة المثقفة وأهل الخبرة، وقد قال الخميني في إحدى خطبه بتاريخ 18 كانون الأول/ ديسمبر 1980 بمناسبة ما يسمى بـ"وحدة الحوزة والجامعة": "عندما نلقي نظرة واسعة على كل جامعات العالم، نجد أن كل هذه المصائب التي حلت بالبشرية لها جذورها في الجامعة، وكانت جذورها من هذه التخصصات الأكاديمية. (...) كل هذه المصائب التي وجدت في العالم هي من هؤلاء المفكرين وخبراء الجامعات (...) وخطر الجامعات أعظم من خطر القنابل العنقودية، كلما كانوا أكثر تخصصاً [هم] كانوا أسوأ".

وكان من حِيَل الخميني في التعامل مع القوى الثورية، وخاصة مجاهدي خلق في الجامعات، إنشاء تنظيمات رجعية عرفت بالجمعيات الإسلامية ومؤسسة عرفت باسم "مكتب وحدة الحوزة والجامعة"، والتي لعبت دور قوة الضغط على جامعات البلاد.

ثلاثة طلاب استشهدوا في الكلية التکنولوجیة بجامعة طهران في السابع من كانون الأول / ديسمبر 1953

كما أن خامنئي، الفقيه الحالي للنظام، يتشارك طريقة التفكير ذاتها مع الخميني بشأن الطبقة المتعلمة من الطلاب والأكاديميين، ويحاول قمع أصوات النخب والمثقفين الذين يريدون إسقاط نظامه ودعم انتفاضة الشعب الإيراني وإزاحتهم عن المشهد، ومن بين أمور أخرى، في خطة تعرف باسم "التطهير" في الجامعات، ينوي تطهير وطرد الأساتذة المحتجين والتقدميين من جميع الجامعات في الخطوة الأولى، بحيث يواجه في الخطوة التالية عقبات أقل لتطهير وقمع الطلاب، ومؤخراً، كشفت قناة "انتفاضة حتى الإطاحة بالنظام" على تليجرام، عن وثائق من جامعات إيرانية بهذا الخصوص، وتشير الوثائق المذكورة إلى أنَّ النظام يعتزم فرض النظام الحوزوي الملالي من خلال تزوير الشهادات ورشوة عناصر الباسيج القمعية في جامعات البلاد تحت مسمى الأساتذة والمدرسين، حتى يتمكن من كسر الارتباط التاريخي بين الجامعة والطالب بالحرية والهوية ورسالتها المناهضة للرجعية.

وفي هذا الصدد، احتج الأساتذة والطلاب المطلعون على هذا العمل الفاشي في مختلف الجامعات الإيرانية وفضحوه، حتى اضطرت بعض وسائل الإعلام الحكومية إلى نقل أخبار هذه القضية.

لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن لدى الطلاب والجامعة خلفية تاريخية مشرقة للغاية في الانتفاضات التحررية للشعب الإيراني، ولهذا السبب تسمى الجامعة في إيران "قلعة الحرية".

إن إحصائيات وأعداد شهداء انتفاضات العقود الثلاثة الأخيرة في إيران، وكذلك عمليات الإعدام الجماعي بحق مجاهدي خلق والطلاب المناضلين أثناء مجزرة 1988، هي شهادة ووثيقة على هذا الدور المميز والتضحية لنيل الحرية.