تتواصل الحرب في أوكرانيا منذ ما يقرب من عشرة أشهر، دون أن تظهر أي بوادر على قرب انتهائها، فروسيا التي شنت الحرب على كييف في 24 شباط/فبراير 2022، تصر على تحقيق أهدافها التي حددتها، وهي: "نزع سلاح أوكرانيا ومنع انضمامها إلى الناتو".

وفي المقابل، ترفض أوكرانيا هذه المطالب، وتشدد على حقها في الانضمام إلى الناتو، كما أنها تطالب بانسحاب القوات الروسية من أراضيها، ووسط كل هذا يسقط مئات المدنيين ضحايا للصراع بين الطرفين يومياً. وفي ظل هذا الجمود، يطرح السؤال نفسه: ألم يحن الوقت للتفاوض؟

تلك الحرب الدائرة ألحقت بالبلدين خسائر فادحة، وامتد تأثيرها إلى معظم دول الشرق الأوسط وأوروبا والعالم برمته، بسبب تداعياتها الاقتصادية الوخيمة، فسببت أزمات اقتصادية بسبب توقف صادرات روسيا وأوكرانيا من المنتجات الغذائية والطاقة والوقود وخاصة القمح الذي يصدر البلدان 23 بالمئة منه إلى كثير من البلدان، كما تسببت في موجة من ارتفاع أسعار عالمية مازلت تلقي بظلالها على الجميع حتى الآن.

وبالرغم من الوساطات الدولية لوقف نيران الحرب الروسية على أوكرانيا، إلا أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتمسك بأسبابه، ويعتبر الحرب بمثابة "رد اعتبار" لبلاده على رمي أوكرانيا في أحضان الناتو وأمريكا، كما يعتبر الدب الروسي هذه الحرب مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية التي تصر على كسر أنف موسكو وإخضاعها لسيطرتها لأي سبب كان!

الخسائر الاقتصادية العاملة وحصيلة المدنيين الأوكران الذين قتلوا وتشردوا وهجروا، يجب أن تدفع الطرفين إلى مصالحة أو معاهدة سلام، فوفقاً للأمم المتحدة قتل حوالى 10 آلاف مدني بينهم 500 طفل في أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي، رغم أن العدد الفعلي أكبر بكثير على الأرجح، هذا بخلاف أكثر من 275 ألف جندي روسي منذ بدء العملية العسكرية في العام الماضي.. فهل من مؤشرات سلام قريبة؟!

الفترة الأخيرة شهدت تصريحات من مختلف الأطراف عن إمكانية التوجه للتفاوض لتسوية الأزمة الروسية الأوكرانية، وكان الدب الروسي قد أعرب مؤخراً عن استعداد بلاده للاتفاق مع جميع أطراف النزاع في أوكرانيا على حلول مقبولة، مؤكداً في الوقت نفسه أن تلك الأطراف ترفض ذلك.

بوتين الذي عاش 23 عاماً على رأس السلطة في روسيا ومقاطعاتها التابعة، يعتبر نفسه واحداً من القياصرة الذين لا يقبلون الهزيمة أو التدخل الأجنبي في شؤون روسيا أو أي تابعة لها، فتسلح منذ بدء التمرد الأوكراني بالحفاظ على الأمن القومي الروسي وشن عملية عسكرية شاملة على أوكرانيا لم تنته حتى يومنا هذا.. ورغم ذلك، تسعى روسيا إلى التفاوض بشرط أن تكون المناطق التي سيطرت عليها منذ شباط/فبراير الماضي أراض روسية، بينما تطالب "كييف" بالانسحاب الكامل للقوات الروسية من الأراضي الأوكرانية كشرط مسبق للتفاوض.. وهذا ليس مقترحاً مطروحاً على الطاولة. ويبدو أنها عملية متشابكة وصعبة بالرغم من أن الحرب بلغت منتهاها.

البيت الأبيض أيضاً لا يفوت أي تصريح لبوتين إلا ويدلي بدلوه. لقد اعتبر أنَّ الدب الروسي لم يظهر أي مؤشرات على استعداده لإنهاء الحرب في أوكرانيا، كما حذرت بريطانيا من استغلال بوتين مفاوضات السلام لإعادة بناء الجيش الروسي وإعادة تجهيز قواته قبل شن هجوم آخر.

تلك المؤشرات تؤكد أنَّ روسيا تنظر إلى هذه المعركة باعتبارها وسيلة إعادة التوازن في العلاقات الدولية التي اختلت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك الكتلة الاشتراكية، أما أميركا ودول الناتو فهدفها الوحيد إلحاق الهزيمة بروسيا عسكرياً وتحطيمها اقتصادياً وطمس تاريخها، مع الإبقاء على الوضع الراهن للنظام الدولي القائم على الهيمنة الأميركية والأوروبية الغربية، وكذلك إبعاد الدب الروسي عن الصين الصاعدة بقوة على المسرح العالمي اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، والإبقاء على هيكل النظام الدولي الراهن.

لكن، أكثر السيناريوهات توقعاً لإنهاء هذه الحرب، استمرار المعارك العسكرية في الميدان الأوكراني مع تحقيق بعض الانتصارات الروسية البطيئة حتى تنضج مبادرة سلام وتسوية من دولة أو مجموعة دول ذات وزن ثقيل في الساحة الدولية لتحقيق الأمن في المنطقة في عام 2024.