هل ستكتفي الإدارة الأميركية بعملية محدودة لتأمين حركة السفن التجارية العاملة في البحر الأحمر والخليج من هجمات الحوثيِّين، أم أنَّ إطلاق عملية حارس الرخاء ستكون الخطوة الأولى في طريق اليمن الجديد؟

التهديد القادم من اليمن إلى إسرائيل ليس وليد حرب غزة: سنة 2019، هدد الحوثيون بضرب عمق إسرائيل، وأعلنوا أنهم يملكون ترسانة صاروخية تمكنهم من ذلك. أخذت إسرائيل تلك التحذيرات على محمل الجد، ونفذت ضربة عسكرية على اليمن خلال العملية العسكرية ضد الجهاد الإسلامي سنة 2022، شملت موقعاً قرب صنعاء يتم فيه تصنيع وتطوير تلك الصواريخ من قبل وحدة 340 التابعة لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. لم ترد جماعة أنصار الله آنذاك على العملية، واستمرت انسياب حركة الملاحة البحرية في مضيق باب المندب من دون أن تتعرض السفن المتجهة نحو ميناء إيلات لأية مضايقات تذكر.

مع تصعيد إسرائيل نطاق عمليتها العسكرية في قطاع غزة، حاولت إيران لعب ورقة جديدة بعد أن سقط من حساباتها خيار توسيع الجبهة في جنوب لبنان، وذلك من خلال نقل التصعيد إلى مضيق باب المندب، والتشويش على المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة بغية دفعها الى مراجعة حساباتها وتعديل موقفها الذي سيحسم مسألة الحرب وما بعد الحرب. هذا التصعيد فيه أيضاً إشارات ورسائل لدول المنطقة، ولكل من يستشرف وضعاً مغايراً لقطاع غزة بعد الحرب تكون فيه حركة حماس خارج المعادلة، أي أن إيران، إن صح القول، تربط مصير حركة الملاحة في البحر الأحمر بمصير حماس في غزة وفي نفس الوقت ترى في هذه الحرب فرصة لممارسة ضغوط من خلال وكلائها في اليمن تسمح بالحصول على المزيد من أصولها المجمدة، وهو ما نقله الحوثيون للوسطاء في سلطنة عمان كأحد الشروط التي ستساهم في وقف أعمالهم التصعيدية في باب المندب في حال تم تلبيتها.

يقتصر دور عملية "حارس الرخاء" على تأمين حرية الملاحة والشحن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهو دور ضروري لاستعادة ثقة شركات الشحن الكبرى، كما أنه يضمن نوعاً من الاستقرار لأسواق النفط، لكنه لا يعني ضمان الاستقرار الطويل الأمد مع الفشل الذي تعرفه التسوية السياسية في اليمن، وبما أن حرب غزة تشكل فرصة للحوثيين لتعزيز نفوذهم المالي وتحسين صورتهم في العالم العربي، فإنَّ التصعيد في مضيق باب المندب سيستمر لوقت أطول، وهو ما ترى فيه إيران وروسيا فرصة لإزعاج مصالح الغرب الاقتصادية.

بعد أن وظفتهم إيران في صراعها مع دول الخليج، يتم توظيف الحوثيين اليوم في صراع أكبر من حجمهم بكثير، وذلك بزجهم في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية ستقود المكابرة والعناد فيها بلا شك إلى إبتلاع اليمن بمن فيه. ومع ذلك، يبدو أن الحوثيين غير مدركين لخطورة الموقف، ولما ستقوده أعمالهم التصعيدية في البحر الأحمر بإعادة تصنيفهم كمنظمة إرهابية، وربما قد تفتح الباب لاحقاً لتتخد واشنطن من عملية تحرير اليمن من الإرهاب سبباً قوياً لتعزيز وجودها البري في منطقة الخليج بغية قطع الطريق أمام أي محاولة روسية أو صينية للتغلغل في هذه المنطقة الاستراتيجية.

أمام حقيقة أنَّ الإدارة الأمريكية تدفع اليوم ثمن الأخطاء القديمة في الشرق الأوسط وثمن إدارة ظهرها للتحالف العربي في اليمن إلى أن انقلب السحر عليها، أضحت معالجة المعضلة اليمنية ضرورة تقتضيها المصالح الاقتصادية والجيوستراتيجية في آن واحد، لكن التوقيت والسياق الدولي من شأنهما أن يطرحا مشكلة وجه إدارة الرئيس جو بايدن المنغمسة في مشاكل تمويل حرب أوكرانيا واستحقاق 2024 الرئاسي، ولهذا، فمن الصعب جداً أن تمتد عملية "حارس الرخاء" إلى أبعد من الهدف المعلن، ومع أن ذلك كاف في الوقت الحالي، إلا أنه، مع مرور الوقت، سيكون مقدمة لمشروع آت لا محالة، ينتقل فيه الدفاع على المصالح التجارية إلى هجوم تسوق له أميركا وتقوده إسرائيل من خلف الستار بغية تحقيق أبعادها الجيوستراتيجية في المنطقة.