رغم كل الكوارث والنكسات التي حلت بالكورد، ورغم كل المحاولات والممارسات التعسفية بأبشع صورها لطمس هويتهم الثقافية وسرقة وتشويه معالمهم الحضارية والأثرية، بقيت كوردستان وقلعة أربيل شامخة وراسخة عبر كل الأزمنة والحضارات المتعاقبة.

كُتب على الكورد أن يعيشوا أصعب وأحلك وأقسى الظروف، حتى اقترنت كلمة الكوردي بأدق تفاصيلها، مع كل معاني الرجولة والبطولة والصبر والتحمّل والمعاناة، والتي كانت كفيلة بالحفاظ على موروثهم الثقافي والحضاري وإرثهم التاريخي، لا بل أثبتوا للعالم أجمع أنَّ جيناتهم غير قابلة للتحور أو المس بها، وأنَّ إصرارهم على العيش والبقاء، أكبر وأعظم وأقوى فعالية من كل الأسلحة المتطورة التي استخدمت ضدهم.

يُولد الطفل الكوردي، ويحمل معه كل هذه الموروثات والطباع والخصال، وتبدأ معه معركة ورحلة المعاناة والإصرار في البحث وتأكيد وترسيخ هويته القومية وعراقتها وأصالتها وقيمها النبيلة. وحين يكبر قليلاً ويكتمل لديه الوعي، تكبر معه هذه القيم والأمنيات وتنمو معه، إلى أن تتحقق وتكتحل عينه برؤية "كوردستان"، حرة أبية، ووطناً يسع الجميع ويستوعب كل أطيافهم وقومياتهم وأديانهم. نعم، ومن دون مبالغة، ذاك هو الكوردي وتلك هي قلعة أربيل.

من هنا، ومن دون أدنى شك أو ريب، نرى كيف تحولت أربيل فعلاً إلى بوابة واسعة لحضارة الشرق الجديد، وكيف بات زعماء ورؤساء ودبلوماسيو الغرب والشرق لا يتركون فرصة أو حدثاً ما إلا ويتوجهوا لزيارتها. من يراها للوهلة الأولى يشعر لا إرادياً أنه في دبي بفعل أبراجها العالية وتطورها العمراني، وحين يتعمق في رؤية مساحاتها الشاسعة وطبيعتها الخلابة وتطورها والتمعن في حضارتها القديمة المتجددة وثقافتها ومشاريعها العملاقة الحديثة، تتجاوز مخيلته دبي، ويشعر أنه حقاً في سويسرا الشرق.

هذه الحقيقة الثابتة على الأرض تظهر معالم الشرق الأوسط الجديد، تلك المعالم التي تنفذها حكومة إقليم كردستان ورئيسها مسرور البارزاني بخطوات ناجحة، حيث يكاد لا يمرّ يوم إلا وهناك تطور عن الذي قبله. بعد التطور الحضاري والعمراني والسياحي الذي شهدته أربيل وباقي مدن كوردستان، اتجهت حكومة البارزاني لتنفيذ مشاريع عملاقة وضخمة، تصبّ بالدرجة الأولى في خدمة شعب كوردستان ونهضته وتقوية اقتصاده، لتصبح أربيل أحد أعمدة الاقتصاد العالمي الجديد، وأحد أهم أسواقه التجارية، وغالباً ما تشير الدلائل إلى أن أهمّ أسس نجاح الشرق الأوسط الجديد هي القيادة الحكيمة التي تكافح وتعمل باستمرار ليكون شعبها في نعيم وأمان وحياة كريمة.

لقد أوضح العلماء والمفكرون والفلاسفة دوماً أن التاريخ هو امتداد للحاضر، حين نتمعن بقراءته وفق الحقائق والقراءة النقدية والتحليلية. وإذا ما نظرنا للتاريخ الذي ليس ببعيد، وقارنا بين أنظمة حكم ترأست دولاً كبيرة وباستبدادها حولتها إلى مقاطعات صغيرة، نرى بشكل واضح لا لبس فيه الفرق الشاسع مع حكومة إقليم كردستان، التي حولت الإقليم إلى شرق أوسط كبير بثقافتها وانفتاحها واحتضانها العالم. حكومة أثبتت، وبجدارة، أنها تستحق الثقة، ولتكون مثالاً لدول أخرى تستفيد من خبراتها وإمكاناتها وقيادتها. وهكذا تحولت أربيل إلى مدينة السلام والأمان والازدهار، كيفَ لا وهي امتداد لنضال وإخلاص ووفاء البارزاني الخالد، وما زال على العهد أحفاد الخالد بثبات.