تهدف التصريحات الحماسية الصادرة عن قادة النظام الإيراني بخصوص الحرب الجارية في غزة إلى توظيف هذه الحرب لصالح أهدافهم وغاياتهم، تماماً كالتصريحات الأخرى التي ترکز، وبصورة ملفتة للنظر، على أنَّ هذه الحرب قد جاءت انتصاراً للمبادئ والأفکار التي يدعو إليها النظام نفسه، مع العلم أنَّ الواقع والحقيقة يختلفان عن هذه التصريحات بصورة کلية، بل وحتى مناقضة تماماً.

لقد حرص قادة النظام، في التصريحات الصادرة عنهم في أعقاب اندلاع الحرب، على التهديد والتلويح بانتشارها وتوسعها في حال لم يتم إيقافها کما يزعمون، ساعين إلى تنصيب أنفسهم أوصياء على هذه الحرب من أجل استغلالها لصالح أوضاعهم السلبية المتداعية. لکن عند التمعن فيما صدر ويصدر عن النظام من بيانات وتحليلات وتوصيات مختلفة، وتحديدا بخصوص التلويح بتوسيع رقعة الحرب وحتى احتمال مشارکته فيها، فإن هناك ما يٶکد ويثبت أنَّ النظام ليس أضعف كثيراً من القيام بهذه المهمة فحسب، بل أيضاً لا يجرٶ على التفكير في ذلك.

منذ الیوم الأول للحرب، ‌أکدت المقاومة الإیرانیة الوطنیة علی لسان قائدها مسعود رجوي أنَّ خامنئي، ومن خلال إشعال هذه الحرب، حاول التسلق من جدارٍ أعلى بکثیر من قوته وطاقته، وهو بذلك سیتحمل في النهایة، وبصورة استراتیجیة‌، تداعیاتها النوعیة، وإن كان سيحصل بعض المکاسب الوقتیة. لکن في السیاق نفسه، من الأهمیة بمکان التمعن في ما جاء على لسان زيد آبادي، أحد المحللين والصحفيين التابعين، حيث صرح في الخامس من كانون الأول (ديسمبر) الجاري لموقع النظام المسمى "ديدار"، قائلاً بخصوص تلويح النظام بتوسيع دائرة الحرب في غزة: "انتشار الحرب، بالطبع، عواقبها وخيمة للغاية على جميع الدول، وأعتقد أنها ستأتي، ولكن بعد ذلك، في رأيي، سيتم ممارسة ضغط دبلوماسي واقتصادي هائل على إيران. (...) يريدون جعلها باهظة الثمن... مع هذا الوضع الداخلي الذي لدينا، هذا المستوى من عدم الرضا، هذا المستوى من الشعور بالضغط، إذا تمت إضافة ذلك إليها، يمكن أن تجعل الوضع خطير جداً. (...) نحن عالقون في وضع تاريخي سيء، طريق الثورة في رأيي مغلق".

وهنا لو تأملنا فيما يٶکد عليه هذا المحلل التابع للنظام بخصوص "الوضع الداخلي الذي لدينا، هذا المستوى من عدم الرضا، هذا المستوى من الشعور بالضغط" وإذا ما جرى توسيع حرب غزة ومشارکة النظام فيها، فإن الحرب "يمكن أن تجعل الوضع خطير جداً". أما لماذا خطورة هذا الوضع، ولماذا کل هذا التخوف والرعب من انتشار الحرب ومشارکة النظام فيها، فإنه يستطرد مستنتجاً: "نحن عالقون في وضع تاريخي سيء، طريق الثورة في رأيي مغلق"، وهذا تحديداً اعتراف ضمني واضح بالإفلاس الفکري والمبدئي للنظام، وافتقاره للشعبية، وقبل ذلك کله وتحديداً خوفه من ردود فعل الشعب، ومن آثار وتداعيات الانتفاضة الوطنية الإيرانية التي لا يزال جمرها يتقد، وقد تحرق النظام کله في أي تطور نوعي.