يستطيع المرء أن يعيش سعيداً بالرغم مما يتعرض له من انكسارٍ وهزيمة، من دون الحاجة إلى إخفاء مشاعره الصادقة وحقيقة ذاته، وذلك بالابتعاد عن الواقع المؤلم الذي ألم به.

بصبره وقوة عزيمته سيتخلى عن كل مسببات الحزن والألم، غير مكترث بالأقوال السلبية والانتقادات التي قد يتعرض لها، ساعياً بنفسه نحو الهدوء والسلام الداخلي، فيصبح مكتفياً بذاته.

إن ابتكار الذات التي تسكنها الطمأنينة والسلام يعتبر علاجاً نفسياً يستطيع المرء من خلاله الارتقاء بنفسه إلى حيث ينبغي لها أن تكون، من دون الحاجة إلى ارتداء الأقنعة. يتحقق ذلك باستحداث أحوال جديدة تمكن الرء من السير نحو تأملاتٍ وأحلامٍٍ جميلة فيسكنه شعور الرضا وتتحقق سعادته.

الإنسان السوي الذي يكشف عن حقيقة شخصيته وطبيعة حالته التي نشأ عليها وهو بتناغم وانسجام مابين معتقداته وأخلاقه وما بين تلك الأفعال والتصرفات المعبرة عن سجيته سيكون محط إعجاب واحترام من قبل أقرانه، مرتقياً إلى مكانة اجتماعية تليق به في المجتمع الذي يعيش فيه.

لكن يحدث أن يتظاهر البعض بالانسجام ما بين الأفعال والمواقف، محاولاً إخفاء السمة الحقيقية لشخصيته، فيرتدي أقنعة مزيفة يظهر فيها بعيداً كل البعد عن فطرته وحقيقته التي كونت وأنشأت ذاته، محاولاً الانسجام مع الوضع أو الحال الذي سعى للوصول إليه، الأمر الذي يفقده المصداقية في أقواله وانعدام الثقة في تعاملاته، وبالتالي فإنَّ هذا التظاهر والتصنع سيؤديان به إلى رذائل الأخلاق من كذب ونفاق وخيانة، على اعتبار فعله مخالف لقوله وسره لعلانيته.

إنَّ ظاهرة إرتداء الاقنعة تعتبر بحد ذاتها حرباً نفسية ما بين ذات المرء الحقيقية التي يحاول إخفاءها، وبين الفعل الخفي الذي سيقوم به مرتدياً القناع ليظهر نفسه متجملاً وعلى قدر من الثقة والقوة، هذا إن استطاع فعلاً إتقان الدور الذي سمح لنفسه القيام به. إنَّ تظاهر المرء بمظهر مخالف ومخادع لحقيقته الشخصية، ساعياً نحو سعادةٍ مزيفة وأوهامٍ صنعها بخيالاته التنكرية، ستعرضه لاضطراباتٍ نفسية وانهزاماتٍ وانكساراتٍ تقوده نحو الضياع والتشتت، كونه أخفى فطرته التي جُبل عليها.

المرء مهما حاول الظهور بخلاف طبيعته، سيبقى موضع شك وانعدام ثقة، لأنه لن يتمكن من إخفاء ذاته الأصلية، وإن استطاع أن يحقق بعضاً من أفعاله المزيفة، فحقيقة الانسان بفطرته لا بتصنعه وأقنعته المزيفة، التي قد تهوي في موقفٍ ما.