تتجلى عظمة الأدب بكافة أشكاله في التأثير والأثر الباقي في نفوس الناس على مر الزمان، فإنّ ميزة الأدب بكافة صنوفه شعرًا كان أم نثرًا أم مسرحًا، هي أنها لا تخاطب معتقدات الناس ولا هوياتهم أو أعراقهم ولا حتى خلافاتهم بل تخاطب مشاعرهم وتقترب من عمق جوارحهم وجراحهم

ومن ثم يبدأ ذاك الرذاذ البارد والخفيف يبلسم آلامهم،
‏"قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ"


‏أتخيل هذا البيت من معلقة امرئ القيس ويتراءى لي أنّ كل الأحبة في كل الأماكن والأزمان وعلى مر العصور يقفون على أبواب أحبتهم ويبكون جميعًا غيابهم الطويل …

أيّ مشهد مؤثّر هو هذا؟ وكيف للفنّ أن يختصر الذات المبدعة ويتجاوزها نحو إنسانية كاملة؟!
‏ثمّ تمعّن جيدًا في هذا المنظر المهيب الذي صنعته الخنساء رثاءً عظيمًا لأخيها صخر،
‏" وإنّ صخرًا لتأتمّ الهداة به
‏ كأنه علمٌ في رأسه نارُ "

وأكاد أجزم أن هذا العلم مشتعلٌ منذ ذلك الحين وحتى آخر رجلٍ سيقرأ هذا البيت الخالد ويعلم بالقصة!

ينحت الأدب في أفئدتنا ما لم تنحته الحياة ولا الظروف.
‏إنها رحلةٌ طويلة من المشاعر والأحاسيس التي لا يمكن لنا معرفتها أو التعبير عنها سوى بالأدب، بالشعر، بالفنون. فوحدها هذه الأخيرة شاملةٌ للوجع الإنساني والوجود الشعوري بشكل إبداعي، ووحدها كذلك كفيلة بإحيائنا من جديد!