الغالبية العظمى من المسلمين المهاجرين إلى دول العالم الغربي يجدون صعوبة في التأقلم مع حياة المجتمع الغربي بسبب العادات والتقاليد والتربية الدينية، لذلك نجدهم يعيشون شبه معزولين عن عادات وتقاليد المجتمعات التي هاجروا إليها، ولا يستطيعون الاندماج بشكل كبير مع تلك المجتمعات، حالهم حال معظم الجاليات من مختلف دول العالم التي هاجرت إلى الدول الغربية.
الانعزال والتمسك بالعادات والتقاليد تخلق هوة كبيرة مع المجتمعات الجديدة، مما يؤدي إلى جعل المجتمعات الغربية تعيش ثقافات متعددة ومتناقضة. مثل هذا التناقض سيؤدي بالتأكيد إلى تنامي الشعور العنصري عند بعض أبناء الوطن الأصليين، الذين بدأوا يرفضون وجود ثقافات دخيلة داخل مجتمعاتهم.
المجتمعات الغربية كادت أن تدفن العنصرية نهائياً، خاصة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. لكن الكم الهائل من المهاجرين في العقدين الأخيرين، بالترافق مع غزو ثقافي غير متجانس مع الحضارة الغربية من قبل هؤلاء المهاجرين، أعاد جذوة العنصرية إلى الاشتعال ثانية بعد أن أوشكت تماماً على الانطفاء. وازداد هذا الشعور حدة مع ظهور التطرف والإرهاب عند بعض القادمين.
قد تكون المجتمعات الغربية في الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا غير مبالية بثقافة المهاجرين إليها، لأنها في الأساس مجتمعات متنوعة الثقافات، ومعظم سكانها من المهاجرين، لكن المجتمعات الأوروبية مختلفة تماماً، لأن أعداد المهاجرين كانت حتى نهاية القرن الماضي داخل هذه المجتمعات محدودة جداً، ولم يكن لسكان دول الشطر الشمالي من أوروبا أي احتكاك فعلي مع المهاجرين الآسيوين والأفارقة وسكان مناطق الشرق الأوسط، ومثل هذا الاحتكاك محفوف بالمخاطر.
يعد المسلمون أكثر المهاجرين رفضاً وتحدياً لعادات المجتمعات التي هاجروا إليها، وقد أثبتت أحداث غزة مدى البون الشاسع بين ثقافة المهاجرين وثقافة تلك المجتمعات، فبدأت الأصوات تتعالى بضرورة التخلص من الثقافات الدخيلة، ويقصد بها الثقافات الإسلامية تحديداً، أو بأضعف الإيمان تحجيمها، لأن الجاليات غير الإسلامية المهاجرة إلى الغرب من آسيويين ولاتينيين وأفارقة لها أيضاً ثقافاتها وعاداتها، لكنها لا تتحدى ثقافات البلدان التي تحل فيها بالرغم من تمسكها بثقافاتها الأصلية، بينما الغالبية من المهاجرين المسلمين في صراع مع سكان الأوطان الأصليين لتوطين ثقافتهم، بالرغم من أنهم بالأساس هربوا منها حين قدموا إلى الدول الغربية.
ما يحدث في الدول الإسلامية من أحداث وصراعات تنعكس بسرعة البرق عند المهاجرين العرب والمسلمين عموماً، ويتوهمون أن الديمقراطية ستساعدهم في بسط ثقافتهم على تلك المجتمعات التي استقبلتهم. هذا الاستنتاج الخاطىء، مع تراكم الأخطاء التصاعدية وزيادة الاحتقان عند شعوب المجتمعات الغربية وصعود التيارات اليمينية المتطرفة إلى سدة الحكم فيها، سيولد في النهاية رد فعل قد يكون عكسياً ومؤلماً.
معظم حركات التطرف الإسلامي تؤمن بالعنف، هذه حقيقة ثابتة وللأسف الشديد تتعاطف معها طبقات واسعة من العرب والمسلمين وخاصة المقيمين في بلاد المهجر، وهذه سابقة خطيرة يجب الانتباه لها. المهاجر لا يحق له تجاوز ثقافات وعادات المجتمعات التي استقبلته، لأنه جاء إليها متوسلاً الأمان وحفظ الكرامة، فلا ينبغي أن ينسى أسباب هجرته، وعليه أن يجعل عواطفه، وخاصة الدينية، تخضع لواقع العقل ولا تتعارض مع المجتمعات التي احتضنته.
إننا الآن مقبلون على أحداث كبيرة ستعصف بالشرق الأوسط، والتطرف والإرهاب والتخلف كلها أصبحت اليوم ظاهرة شرق أوسطية، بل هي ظاهرة الإسلام السياسي، وقد أصبحت تتحدى الحضارة والإنسانية. إذ أن الحضارة والإنسانية والغرب باتوا يقفون في الصف المقابل، وعلى كل مسلم أو عربي مقيم في بلاد المهجر أن يحدد عواطفه وولاءه وانتماءه للأرض والوطن والمجتمعات التي آوته ونصرته وأكرمته، لا أن يعيش وسط تلك المجتمعات وهو مشحون بمواقف التيارات المتشددة في الوطن الأم، وعليه ألا ينسى الساعات العصيبة التي دفعته للهرب من وطنه ومجتمعه وجعلته يخرج في ليلة ظلماء تاركاً كل موروثاته في بلد المنشأ للنجاة بنفسه وعائلته، أو عليه على الأقل ألا يكون سكيناً في خاصرة المجتمعات التي يقيم معها.
عيون الحكومات والشعوب الغربية مفتوحة، وتستطيع رصد كل صغيرة وكبيرة، وأخشى أن يأتي اليوم الذي تشعر فيه الجاليات العربية والإسلامية بالندم الشديد، لكن بعد فوات الأوان، على نكران الجميل الذي يحلم به ليس الملايين بل المليارات من سكان الكرة الأرضية.
ليس من الإنصاف خلق المتاعب لتلك المجتمعات التي رحبت بالوافدين إلى أراضيها، فهي عاشت ظروفاً وأزمنة أسوأ من ظروف مجتمعاتنا حالياً، وعرفت كيف تتخلص منها، وهي غير راغبة في العودة إلى الماضي المر الذي أسموه القرون المظلمة. هذه الحقيقة يجب أن يدركها جميع المقيمين في الدول الغربية، وعليهم ألا يراهنوا على الخطأ، لأن ثمن الخطأ سيكون كارثياً عليهم، وأقصد العرب والمسلمين، فمن الواجب عليهم أن يعيشوا أحراراً في المجتمعات الجديدة، وأن ينسلخوا عن مساوىء ماضيهم المر، كما أنسلخت تلك المجتمعات التي لجأوا إليها، وليتذكروا أن الحياة أحياناً لا تمنح الإنسان أكثر من فرصة واحدة، وليكونوا جسوراً لتلاقي الثقافات الإنسانية العريقة بدل أن يكونوا سبباً للتنافر والكراهية.
التعليقات