إننا أمةً ترجو السلام ديناً وقيماً وسلوكاً ثابتاً، وعزيزة أبية في مسيرتها لا تدعي ولا تستعرض ولا تسرق، ولها من التاريخ والمجد موروثاً من العز يكفيها وتفتخر به، ويبدو أن التزامنا بالقيم الأخلاقية كان السبيل لدى أفاعي الشر في هذا الكونِ ومَن حولنا للدخول في أوساطنا والتآمر علينا للنيل منا، وقد شهد التاريخ على مصير الغزاة الذين استهدفوا هذه الأرض المباركة والمبارك حولها، وبقينا في مسيرتنا قابضين على قيمنا الحضارية الإنسانية كأسلافنا، وبقوا على مسلك ونهج الأفاعي كأسلافهم ويقولون مدعين أنهم يمثلون الحضارة والرقي... وهل للأفاعي حضارة أو رقي؟ فإن قلنا إنَّ العنصر البشري في حالة نمو وتطور على الدوام، فما الحاجة إلى هذا التطور الذي لم يشتمل على تهذيبه ولم يقم على تنقية دواخله من وحشية وسوء السلوك وخسة الطباع، وماذا يفعل المرء بثياب المدعين الأنيقة ولحن كلامهم المنمق المصطنع وعطورهم التي تغطى حقيقتهم ما داموا على وحشيتهم... وتبقى الأفعى أفعى حتى وإن زينتها وكللتها بالورود وعطرتها بالمسك، ومهما هجنتها فلن تلِد الأفعى بلبلاً ولن تصبح دجاجة.

إنَّ أخطر تهديداتٍ تواجه أمتينا العربية والإسلامية هي فيروسات الادعاء والنفاق والجهل وتشويه القيم الدينية والإنسانية بسلوكيةٍ عدوانية ممنهجة بنهج بات من الثوابت لدى فرق الجهل والإدعاء والعدوان التي أنبتها نظام الملالي في حظيرته وأقامها على رؤوس الشعب الإيراني وشعوب المنطقة، ومن العدوان الطائفي والشمولي العنصري على أبناء الشعب الإيراني بكافة مكوناتهم العرقية والدينية والمذهبية والفكرية إلى العدوان على العرب السُنة في العراق وسوريا بحجة محاربة داعش التي صنعوها وحماية الأماكن الدينية التي لم يهددها العرب السُنة في أي مكان على طول التاريخ، ليقوموا بعدها بتهجير الأبرياء بالملايين من مناطقهم لتخلوا لهم الأرض من أهلها، ومن ثم شرعوا في إشاعة الموت والخراب والدمار ومن شعار الجهاد باسم الدين والدين منهم براء إلى صناعة وترويج وتهريب المخدرات والسلاح الذي يستهدفون الأردن الصامد وأمنه من خلاله واهمين بأنهم قد يبلغوا مرادهم... وللعاقل أن يجد أوجه الشبه والتوافق بين ما تدعيه تلك الفئة وتفعله وما يدعيه الصهاينة ويفعلونه وكم حاولنا أن نصدقهم ونبرأهم ونجد لهم عذراً لكن أفعالهم كانت تحول دون ذلك؛ وكلا النهجين نهج الملالي والصهاينة يُخدِم على الآخر ويصب في مصلحته أو على الأقل يخلق له الفرص والأسباب.

إقرأ أيضاً: الجيش السابع الذي تخشاه إيران

يناضل الفلسطينيون والعرب جميعاً إلى جانبهم منذ قرابة الـ 75 سنة من أجل تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي المدعوم غربياً وأميركياً، ومنذ عام 1979 لم نرَ من ملالي إيران المستجدين على الأحداث سوى شعارات رنانة وجمل براقة تسود الشوارع والميادين مع بعض الفعاليات الدعائية التي رسخت فكراً ونهجاً فيما يتعلق بالإسلام بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص، ولما فشلت هذه الشعارات في تحرير فلسطين وباتت على مقربة من كشف سوءاتها، أعلنوا الحرب على العراق بدلاً من إعلانها على المحتل الإسرائيلي الذي يحتل فلسطين بحجة أن مسيرة تحرير فلسطين تمر عبر كربلاء، أي احتلال العراق، وبما أن العراق ليس له حدود مع فلسطين المباركة، فمن المؤكد أن احتلال الأردن وارد وفق تلك المخططات، والمؤسف أن بعض حملة شعار العروبة، وهو حمل ثقيل يصعب على البعض حمله، قد قاموا بدعم ملالي إيران في حربهم العدوانية على العراق تاركين جزءاً من أراضيهم محتلة، وكان الأجدر إن توافر الصدق أن يتعاون الملالي ويدفعوا بقدراتهم إلى جانب هذا الطرف حامل الشعار لتحرير هذا الجزء البسيط الاستراتيجي المحتل، ومن ثم يحرروا فلسطين احتراماً لشعار العروبة هذا الذي يرفعه، ولم يرتبط بثوابته وجذوره الأصيلة... وينطبق الحال على ذاك الذي يرفع شعار الإسلام... لكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا أبدا! ذلك لأنَّ الأمر لن يتخطى الشعارات والإدعاءات... فالعراق بأيديهم منذ قرابة عشرين عاماً وسوريا الحدودية مع العراق في أيديهم منذ ما قبل عام 2003 ولبنان في أيديهم من قبل ومع ذلك لم تتحرر فلسطين ولم يثبتوا مدى قدسية القدس انتقالاً من الشعار إلى أرض الواقع، ولم يكتفِ طرفا الإدعاء هذين بذلك، فقاما بشق الصف الفلسطيني وعملا على هدم منظمة التحرير التي تمثل الشرعية الفلسطينة كقاعدة أساسٍ لنضال الفلسطيني، وكان موقفهم الهدام هذا ولا زال موقفاً داعماً للمحتل الإسرائيلي بشكلٍ أو بآخر، وفي أحداث العدوان الإبادي على غزة التي لا تزال جارية حتى الآن لم نجد منهم سوى مواقف غير مسؤولة وغير محمودة مخاذلة ومخادعة بعد أن أدخلوا غزة في قلب الجحيم انتقاماً وثأراً لواحدٍ أو لجمعٍ من قتلاهم على حد اعترافهم، بمعنى أن أطفال ونساء وشباب وشيبة غزة يستشهدون من أجل ثاراتهم عندما غابت مراجلهم وبطولاتهم وسقطت لوحات دعايتهم التي حملت ملايين المتطوعين من أجل الدفاع عن غزة، ولم يدخل منهم شبح واحد، وآثروا البقاء على اللوحة الدعائية أفضل لهم، فالشهادة لا تليق بهم أو أنهم ليسوا أهلاً، ولا تزال ماكينتهم الدعائية المدعية تعمل بلا هوادة حتى علقوا مؤخراً شعار 500 ألف مقاتل يمني سيدخلون غزة، وبقوا أيضاً على لوحة الشعار، وبالمقابل وفروا للعدو المحتل الحجة والذريعة والدوافع للاستمرار في القتل والدمار والإبادة، ولم يبقوا على شعاراتهم فحسب، بل تمادوا في المساس بنضال وصمود وكبرياء الشعب الفلسطيني، متبجحين بأن صمود الشعب الفلسطيني نتاجاً لفكرهم ومدرستهم الثوروية، وهذا باطلٌ لم يتخطَّ نهج الكذب والادعاء، والتاريخ خيرُ شاهدٍ على ذلك؛ كما أنه لا فكر ولا مدرسة ولا ثورة لديهم، فتلك مفرداتٌ كريمة لا يمتلكونها ويمتلكها المناضلون الفلسطينيون والمناضلون الإيرانيون الحقيقيون في المقاومة الإيرانية.

إقرأ أيضاً: الديمقراطية الطائفية = دكتاتورية بثياب ملونة

الحقيقة الجارية على الأرض هي أنَّ هذه الأحداث ليست وليدة الصدفة، وأن نظام الملالي يعمل على زرع ونشر الموت والدمار في كثير من دول العرب والمسلمين، وقد أساء استغلال التكنولوجيا للتجنيد وبناء التنظيمات في دول كثيرة. وما هذا النظام سوى صناعةٌ متقنة من دول وأجهزة غربية لتنفيذ مهمات وصناعة أجواء مثل شيطنة السُنَّة أو إدخال الدول في متاهات الفوضى والدم والإساءة للإسلام والمسلمين الحقيقيين وجعل الإسلام رديفاً للإرهاب والقتل والإسلامُ بريءٌ من ذلك تماماً. وليس من المعقول أن نظام الملالي الذي كان له نفوذ وقوة نفذت عمليات في لبنان وسوريا والعراق وليبيا وأغرق الأردن بالمخدرات لا يستطيع تنفيذ عملية ضد قوات الاحتلال في فلسطين على الأقل استرداداً لاعتباراتهم وبعضاً من كرامتهم المهدورة. والمفارقة هنا هي أن هذا النظام، وبالرغم من كل ما تعيشه غزة من كوارث في هذه المرحلة الصعبة، لم يصدر عن هذا النظام ما يهدد جيش الاحتلال في فلسطين. مؤكداً ليس الأمر بصدفة، خاصة بعد دفاع الغرب والأميركان عن الملالي الذين كانوا قد تلقوا مليارات الدولارات قبل أحداث العدوان على غزة. ولكن بات كل ما جرى ويجري من الأمور والمهمات المؤكدة التي جاء من أجلها هذا النظام وهي الفتن والفرقة والخراب والدمار في هذا العالم، وما علينا إلا أن نستذكر أنه مع كل عدوان صهيوني على فلسطين وأهلها لم يُطلق هذا النظام طلقة واحدة ضد المحتل الصهيوني، ولا بدَّ من أن نُدرك أنه موجود ضدنا نحن العرب والمسلمين، ولم يعد الإسلام والدفاع عن فلسطين لديه سوى سلعة للمتاجرة بها خداعاً للعرب والمسلمين.

إقرأ أيضاً: الرأس وليس أذرع الأخطبوط

بقينا وسنبقى على طباعنا في عالمٍ تسوده الأفاعي من حولنا. تكالبوا علينا وحاولوا افتراسنا على مر التاريخ، وكان ذلك عصياً عليهم، واليوم حشدوا أشرارهم وما لفظته الأرض والحياة للعدوان علينا في لبنان واليمن والعراق وسوريا وفلسطين.

كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابين، وكمسلمين صادقين نخلص في انتمائنا لآدم عليه السلام وبالتالي فإننا مخلصون صادقون لإنسانيتنا أكثر من غيرنا. وواردٌ أن نخطئ وكبرى خطايانا أننا لم نسحق رؤوس الأفاعي التي تتربص بنا من جحور الاحتلال والإدعاء بدءاً من طهران وتل الربيع بشتى الوسائل والسبل في أوكارها على الحدود وفي كل وكر من حولنا دفاعاً عن النفس بالحق.

ختاماً دعونا والإسلام والمسلمين وشأننا فالدنيا بدونكم أفضل. وأعتقوا القضية الفلسطينية والمنطقة من متاجرتكم وشعاراتكم. فبدونكم وبدون هذه الشعارات ستتحرر فلسطين بالعقيدة الصادقة بإذن الله طال الأمد أو قصر.