يعيش المواطنون في إقليم كوردستان أزمات كثيرة أثقلت كاهلهم وأوصلتهم إلى طريق مسدود. فبالإضافة إلى أزمة تأخير الرواتب التي تلقي بظلالها على كل مفاصل الحياة في الإقليم، وانقطاع الكهرباء والماء، وسوء الخدمات والغلاء، وأزمة توقف الدراسة في السليمانية وحلبجة نتيجة احتجاجات الكوادر التعليمية وتوقفها عن الدوام لحين تنفيذ مطالبها بدفع الرواتب، إضافة إلى كل هذه الأزمات والمشاكل الكبيرة، قرر مجلس وزراء إقليم كوردستان في 7 كانون الثاني (يناير) الجاري خفض سعر الخبز والصمون، وكلف كل من وزارة الداخلية ووزارة التجارة بتنفيذ القرار.

وعليه، أعلن قائمّقام أربيل أن القرار سينفذ فوراً، وشدد على أن أجور كهرباء المخابز في المقابل ستخفض بنسبة 50 بالمئة.

كما جاء في القرار أنَّ سعر كيس الطحين سيخفض من 29 ألف دينار إلى 24 ألفاً للمخابز، وسيوزع على المخابز كيس طحين مجاناً عن كل طن يستلمونه، وذلك ضمن سلسلة إجراءات فسرت كدعم حكومي لتخفيض سعر الخبز!

ويرى أصحاب الأفران والمخابز في الإقليم أنَّ تطبيق قرار مجلس الوزراء بزيادة أرغفة الخبز مقابل كل ألف دينار مستحيل، لأنه لا يغطي مصاريفهم الأساسية.

إدريس مسعود الخباز، كان من بين عدد من أصحاب المخابز الذين تجمعوا يوم الاثنين، 8 كانون الثاني (يناير) الجاري، أمام مبنى محافظة أربيل للاحتجاج ضد قرار خفض سعر الخبز، وتحدث أمام عدسات الكاميرات وقال وبنرة عالية: "أنا وابني معاً نكسب يومياً 35 ألف دينار فقط من عملنا، إذا تم تنفيذ هذا القرار سأخسر يومياً 50 ألف دينار"، وعلق مخاطباً حكومة إقليم كوردستان: "إذا كنتم تريدون تنفيذ الإصلاحات، فابدأوا من أنفسكم. ابدأوا من امتيازات كبار الجحوش الذين خدموا صدام حسين ويعيشون اليوم كالملوك. ابدأوا من صفقات النفط والغاز المهرب. لماذا الفقير هو من يجب أن يدفع ضريبة خفض سعر الخبز؟".

وبعد انتشار مقطع الفيديو الذي ظهر فيه العامل إدريس الخباز وهو ينتقد الجهات المعنية، وفي تمام الساعة الخامسة عصراً من نفس اليوم، داهمت قوة تابعة للآسايش منزله في أربيل واعتقلته. وبعد أن قضى ليلة واحدة في السجن، أُطلق سراحه، ولم يمثل أثناء اعتقاله أمام القاضي، ولم يعرف ما المادة القانونية التي اعتقل بموجبها أو المادة القانونية التي أطلقوا سراحه بموجبها (حسب كلام إدريس الخباز).

إقرأ أيضاً: المعادلة الصعبة في إخراج الأمريكان من العراق

كمتابع ميداني للوضع العام ومعيشة المواطنين في الإقليم، أعتقد أن الوضع بشكل عام تجاوز مرحلة الأزمة والمشاكل المستعصية، ووصلنا إلى مرحلة الكارثة، والأكثر من هذا، لا يملك قادة الحزبين الحاكمين في الإقليم الجرأة والشجاعة للاعتراف بأخطائهم الكارثية وفسادهم واستحواذهم على أموال وثروة الشعب لمصالحهم الحزبية والشخصية. وعليه، يعيش المواطن الكوردستاني أسوأ سنواته في ظل قادة ولاية السليمانية وولاية أربيل.

إقرأ أيضاً: أربيل التي سبقت دبي

كمواطن وكمتابع للوضع الاقتصادي المزري في الإقليم، وفي ظل تأخير الرواتب والغلاء المعيشي وانعدام الخدمات الأساسية، أعتقد أنَّه كان على الجهات المعنية في الإقليم التي لا ترى خياراً أمامها سوى جيب المواطن المغلوب على أمره، وقبل ان تصدر قرار خفض سعر الخبز المجحف والفوقي وغير المبني على أسس واقعية، كان عليها أن تدعم المخابز وتزودها بالدقيق (الطحين) والكهرباء والغاز بسعر رمزي، لكي يستطيع المواطن الذي لا يملك ثمن الخبز أن يحصل عليه مجاناً، إلى أن يتم حل أزمة الرواتب حلاً جذرياً لا ترقيعياً.

إقرأ أيضاً: اليوم التالي لغزة

من الجدير بالذكر أنَّ العراق، الذي وصفه رئيس الإقليم قبل فترة بأنه "مفلس"، أنهى عام 2023 بفائض مالي قدره 10 ترليونات دينار (عشرة آلاف مليار دينار)، بينما أنهى موظفو إقليم كوردستان عام 2023 باستلامهم تسعة رواتب فقط من أصل 12 راتباً سنوياً.

صدق أول رئيس وزراء لجمهورية سنغافورة لي كوان يو عندما قال: تنظيف الفساد مثل تنظيف الدرج، يبدأ من الأعلى نزولاً إلى الأسفل!