السيناريو الأسوأ في منطقة الشرق الأوسط هو اتساع دائرة الحرب التي يقع مركزها في قطاع غزة ليشمل دولاً ومناطق جغرافية أخرى في إقليم يحمل من بذور (جينات) الصراع ما يجعل أي شرارة لهب قادرة على إشعال نار فتنة كبرى، حيث يموج الشرق الأوسط بعوامل التوتر التي تراوح بين الديني والقومي والمذهبي والسياسي والجغرافي والاقتصادي والحدودي، فضلاً عن عوامل أخرى مثل الفقر ونقص المياه والفساد وسوء الإدارة وغير ذلك من أسباب قد تتضافر جميعها في وقت (ظروف) ما لتضع العالم أجمع أمام مشهد كارثي في هذه المنطقة الحيوية.
الشواهد تقول أن هناك تركيز أميركي ـ أوروبي على نزع فتيل صراع إقليمي بات أكثر احتمالاً في الشرق الأوسط، حيث قالت وزيرة الخارجية الفرنسية مؤخراً خلال اتصال هاتفي مع نظيرها الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن خطر اندلاع صراع اقليمي في المنطقة أصبح أكبر منه في أي وقت مضى، وأنها أبلغت الجانب الإيراني بـ"رسالة واضحة للغاية" بهذا المعنى، وقالت إنه "يجب على إيران وأعوانها التوقف فوراً عن الأعمال التي تزعزع الاستقرار لأنه لا أحد سيستفيد من التصعيد". على الجانب الأميركي نجد تقارير إعلامية موثوقة نقلت عن "مسؤول كبير" بوزارة الخارجية الأميركية قوله إن التواصل غير المباشر مع إيران لمنع صراع إقليمي أوسع، سيكون محوراً رئيسياً للنقاش خلال رحلة الوزير بلينكين للشرق الأوسط مؤخراً، وأن الأخير سيوضح للقادة الذي يلتقي بهم أن الولايات المتحدى "لا تريد أن ترى الصراع يتصاعد ولا تنوي تصعيده" وأن الولايات المتحدة تتوقع أن أن يتم نقل هذه الرسالة إلى إيران ووكلائها من خلال الدول التي لها علاقة معهم.

اللافت أن جولة وزير الخارجية الأميركي التي شملت محطات شرق أوسطية عدة هي تركيا والأردن والإمارات وقطر والسعودية وإسرائيل والضفة الغربية ومصر واليونان، لا تتضمن عواصم يمكن أن تقوم بنقل الرسالة الأميركية بحكم علاقتها الوثيقة مع طهران سوى الدوحة، حيث يصعب أن تقوم بقية العواصم بهذا الدول سواء بالنسبة لإيران أو بالنسبة لوكلائها الإقليميين، ولكن الأهم من ايصال الرسالة هو دوافعها، وهل تخشى الولايات المتحدة والدول الغربية بالفعل صراعاً إقليمياً في الشرق الأوسط، أم أن هناك أسباب أخرى وراء السعي لاحتواء التوتر المتفاقم؟

بلاشك أن الولايات المتحدة باتت تدرك أنه يتم استدراجها وإسرائيل إلى صراع إقليمي واسع، وأن هذا الاستدراج يؤثر بقوة في مصالحها الاستراتيجية بالمنطقة، حيث باتت قدرة الردع الأميركية على المحك إثر شن نحو نحو مائة هجوم على القواعد الأميركية في العراق وسوريا منذ بدء الحرب في قطاع غزة، وتسبب الرد الجزئي على هذه الضربات، والذي أدى لمقتل أحد قادة حركة "النجباء" العراقية، التي تتهمها الولايات المتحدة باستهداف قواعدها في سوريا والعراق، تسبب في وضع العلاقات بين واشنطن وبغداد على المحك، حيث استشعرت حكومة محمد شياع السوداني حرجاً بالغا جراء القصف الأميركي للحشد الشعبي المنضوي في إطار الجيش، واتجهت إلى إعلان عزمها انهاء مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في البلاد، وقالت إن هذه الخطوة "التزام لن تتراجع عنه" وأنها "لن تفرط بكل ما من شأنه استكمال السيادة الوطنية على أرض وسماء ومياه العراق".

بالتأكيد يبدو انهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق انتصار استراتيجياً مهماً للغاية لإيران، فرغم محدودية عدد القوات الأميركية التي يبلغ عددها 2500 جندي في العراق ونحو ألف أو أقل في سوريا، وتقوم بدور استشاري ضمن مهمة اجتثاث بذور تنظيم "داعش"، فإن خروج هذه القوات يبقى مطلباً حيوياً لإيران، وتصر عليه بعض الفصائل العراقية المدعومة من طهران، وتمثل ركناً رئيسياً من أركان ائتلاف حكم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

ثمة أمر آخر يتعلق بأن اتساع دائرة الصراع الاقليمي يصب في مصلحة إيران ووكلائها بشكل مباشر؛ فرغم أن هناك شبه إجماع بين المراقبين على أن أحد أهم أهداف هجوم حماس ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، هو تقويض عملية السلام بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية، وقد تحقق هذا الهدف جزئياً على الأقل لجهة تجميد التطور المتسارع في هذا الملف وتأجيل أي خطوات على المسار السعودي الذي كان قد اقترب بشكل كبير، والتأجيل هنا يعني أن العملية قابلة للاستمرار عقب انتهاء حرب غزة، ولكن المؤكد أن اتساع دائرة الصراع الاقليمي قد ينهي هذه العملية من الناحية الفعلية لأنه ببساطة لا أحد يستطيع بناء تصورات أو سيناريوهات واضحة حول مسارات أي توسع محتمل للصراع وعواقبه وتداعياته، وهوية الأطراف الإقليمية والدولية التي يمكن أن تنزلق إليه، وتأثيرات كل ذلك بل وحدود هذا الصراع وأين وكيف ينتهي لاسيما إذا كان المجتمع الدولي قد فشل ـ حتى الآن ـ في وقت الصراع الدائر في قطاع غزة، فكيف يمكن تخيل وقف صراع أوسع يرتبط بما دار أو يدور في القطاع الفلسطيني.