مع ملاحظة السياق الملفت للنظر الذي تتسم به الأحداث والتطورات الجارية واتجاهه إلى المزيد من التوتر، وفي غياب ما يمکن أن يبعث على الطمأنينة، فإنَّ السؤال البالغ الأهمية الذي تفرضه الضرورة هو: هل يمکن تجنب المواجهة الدولية مع النظام الإيراني؟

ثمة تصور يدعو إلى التأکيد على أن ثمة توافقاً ضمنياً بين النظام الإيراني وبين الدول الغربية، لا سيَّما الولايات المتحدة الأميرکية، بخصوص تجنب المواجهة المباشرة بين الطرفين، بيد أنه، وفي نفس الوقت، ليس ثمة ما يضمن عدم حدوث تلك المواجهة. وبعد الضربات التي تم توجيهها إلى أذرع النظام في بلدان المنطقة، وبشکل خاص إلى الحوثيين، يجب الانتباه إلى أنَّ النظام الإيراني لن يتمکن من الوقوف متفرجاً على إضعاف أذرعه وتحجيمها وصولاً إلى تحييدها بسبب افتقادها القدرة والقوة والإمکانية، لا سيَّما أنَّ قوة النظام وقدرته على المناورة والابتزاز تکمن في بقاء هذه الأذرع قوية ومتمکنة.

يوم الأحد 14 كانون الثاني (يناير) الجاري، کتبت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالاً لافتاً للنظر بشأن المعرکة الدائرة بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني عبر أذرع هذا النظام، وإلى ما ورد في المقال من إظهار حذر يحرص الطرفان على الالتزام به من أجل منع حدوث المواجهة بينهما، فإن المقال يقول إنَّ النظام الإيراني، وأمام الضربات القوية التي تلقاها الحوثيون، والاحتمالات القوية لتوجيه ضربات أخرى أشد من سابقاتها تضعف قدراتهم إلى الدرجة التي لا يشکلون معها تهديداً، سيجد نفسه أمام إضعاف ورقة إبتزازه للسعودية ودول أخرى، والأهم ما يمکن أن ينجم عن ذلك من احتمالات جعل نظام الحوثيين أکثر ضعفاً من السابق، ووصوله إلى حد الهشاشة التي من الممکن أن تقود إلى نتائج لن تسر النظام الإيراني أبداً.

من الخطأ تصور أن النظام الإيراني هو الوحيد الذي يلعب بذکاء وحذق بورقة أذرعه في المنطقة تزامناً مع الحرب المندلعة في غزة، إذ أنَّ البلدان الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة، تسعى أيضاً للإمساك بالنظام الإيراني من مواضع الألم، وإضعاف خياراته. ويسير ضرب الحوثيين بالطريقة الجارية المستمرة بهذا الاتجاه. لکن مع ذلك، فإنَّ النظام الايراني سوف يعاود مرة أخرى تقوية أذرعه وإعادتها إلى سابق عهدها، خصوصاً أنه، في ظل استمرار سياسة المسايرة والاسترضاء الغربية السيئة الصيت تجاهه، يمتلك سبباً وعاملاً أساسياً قوياً لإعادة الأمور إلى نصابها وإبقاء تهديداته وإبتزازاته من جراء ذلك.

إنَّ ضرب الحوثيين والميليشيات العراقية التابعة للنظام الإيراني، وکذلك قواعد تابعة له في سوريا، بالرغم من أهميته، إلا أنه لا يضمن درء خطر النظام الإيراني وتهديده، لأن بقاءه واستمرار التواصل الدولي معه، وعدم المس بسياسة المسايرة والاسترضاء الغربية المتبعة تجاهه، يعني أن أي تقدم جدي في مجال التصدي للدور والتأثير السلبي للنظام الإيراني في المنطقة والعالم لم يحدث، ولذلك فإن السعي من أجل أن يطرأ تغيير على معادلة المواجهة الدولية الجارية ضد النظام الإيراني بخصوص تحديد دوره وإضعاف قدرته على التهديد والابتزاز، لا يبد أن يمر من خلال مواجهته في عقر داره مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، مع دعم وتأييد النضال المشروع الذي يخوضه الشعب الإيراني من أجل الحرية والتغيير والاعتراف بالبديل السياسي ـ الفکري الجاهز له، والمتمثل في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.