أقف مندهشاً عند ما بات يحكى بخديعة التسويات، أو المصالحة مع نظام سوري فاسد فرضها على عموم الناس، ليس في المنطقة الشرقية فحسب، ولكن في عديد من المناطق والمدن السورية التي خرجت عن سيطرته، ويحاول جاهداً الركض خلفها وتلغيمها للمواطنين، وبكل خسّة ودَناءة، ويرفضها أغلب الناس في الجزيرة السورية، ولعن كل من يحاول الاقتراب من الحكومة السورية، أو حتى التعامل معها والانضواء تحت رغباتها، التي تحاول امتصاص غضب عموم الناس وإقناعهم بطي صفحة وفتح صفحة جديدة، بحسب ما يعتقد ويظن ذلك كثيرون من غير الموالين له، والذين هم أكثر ما تضرروا وعانوا من معاملته لهم وتعنيفهم، وإدخالهم في مشكلات ومآسي هم في غنى عنها.

هناك الكثير من الأسئلة التي يطرحها العامَّة، وهي في الواقع تظل أسئلة مشروعة ومحقة، ومن حق كل مواطن شريف طرحها وعرضها على العامة، ومفادها أنَّ النظام، وبعد كل ما فعله واقترفه بحق أهلنا في سوريا، وفي هذه الأماكن التي يدعوها اليوم ـ وبكل وقاحة ـ إلى التسوية معه، وتناسى في الوقت ذاته العودة للماضي الأليم والاحتكام للحاضر الذي يُعاني من فقر مدقع، فهذا لا يعفي الأهالي من طرح عديد من الأسئلة، ومنها وأهمها لماذا الآن، وفي هذا الوقت بالذات، يحاول النظام الفاسد أن يدعو الناس إلى لفظ الماضي بالرغم من جرائمه القذرة، وتشريده الناس واقتلاع الكثير منهم من منازلهم وطردهم إلى خارج الوطن، بل والعمل على تشريدهم وإذلالهم ودكّهم في السجون والمعتقلات؟ أضف إلى أنَّ هناك الكثير منهم، وإلى اليوم، لا يعرفون عن أبنائهم شيئاً، فهم ما زالوا مغيّبين في السجون، ناهيك عن الدمار والخراب الذي جرّه سفّاح سوريا ونال الكثير من سكن المواطنين وممتلكاتهم، وحتى الأماكن التي يعتاشون منها!

وهل يكفي ما يمكن أن يقوله، ونسمعه، لذلك المواطن الذي ظل يُعاني من قهر وتسلط، وأنواع السخط والاذلال، أضف إلى الممارسات والانتهاكات وإحراق جثث المقتولين تحت التعذيب، وحالات الاغتصاب التي تعرض لها الكثير من الشباب والفتيات والنساء، بالإضافة إلى الاغتيالات السياسية، وتصفية الشباب وتصدير المخدرات بأنواعها؟

إقرأ أيضاً: صححوا معلوماتكم عن الكورد

المشكلات والمعاناة التي تعرض لها المواطن في سوريا كثيرة، ولا يمكن إحصاؤها، وفي ظل كل هذه المشكلات التي كرستها الثورة وما صاحبها بهذه البساطة، يحاولون إعادة المياه إلى مجاريها، حسب ما يُخيل إليهم، وهذا بعيد عن أحلامهم ورغباتهم، ورمي ما جرى وراء ظهور الناس التي عانت ما عانت، وتحملت الكثير من صنوف العذاب والحاجة ومن إرث النظام القاتل الذي انتقم من كل الأهالي، وهذا لم يعف أيضاً حتى الناس الذين يعملون معه ويصفقون له، فهم لم يتخلصوا منه ومن ألاعيبه، وظل يتعامل مع الناس كحجر شطرنج لا حول له ولا قوة. وفي المقابل نقرأ هنا وهناك، وفي مواقع وصحف رسمية، عن تواصل الوفود القادمين إلى مراكز التسوية في ريف الرّقة غير المحرّر، وفي كثير من المدن والأماكن، ويتمثل هؤلاء في شيوخ العشائر الذين لا يمثلون إلّا أنفسهم، أضف إلى شخصيات ووجوه اجتماعية ومخاتير، وغير ذلك من المنتفعين من أزلام النظام الفاسد لأجل تقديم الطاعة له بدلاً من التسوية التي يتحدثون عنها لكسب رضا الطاغية وأعوانه المجرمين الذين لم يخلص من إجرامهم أحد، ولن يخلص منهم ما دام أنهم قائمين على رأس عملهم، ومثلهم من الموالين لهم الذين ينفخون ـ وللأسف ـ في قربة مقطوعة!

إقرأ أيضاً: مغادرة القوات الأميركية في الميزان

أمثال هؤلاء أكثر من الهمّ على القلب، وهم لا يمكن أن نقول غير أنهم مغلوبين على أمرهم، لا سيما أنهم يعيشون بينهم، ويعتاشون من وظائفهم التي يتكسبّون منها مداخيلهم وقوت يومهم وهذا حالهم، ما يجعلهم يُداهنون لأزلام النظام وعصابته التي تحاول بصورة أو أخرى لجم المواطن السوري وكسر شوكته بإخضاعه تحت رغباتهم وطاعتهم، وهذه بعيدة عنهم، من خلال فرض اشتراطاتهم عليه بالقوّة، وتحت مسميات وذرائع مختلفة.