رسائل كثيرة حملتها كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله نظيره الصومالي في القاهرة هذا الأسبوع، لمناقشة قضايا مصيرية مشتركة، ولعل أبرزها التهديد الإثيوبي لمصالح البلدين.

السيسي كالعادة أكد رفضه لما يمس أمن الصومال وأمن المنطقة، وكذلك الاتفاق الذي وقعته أثيوبيا مع أرض الصومال المنشق، دون أن تحصل أديس أبابا على تسهيلات من الأشقاء فى الصومال وجيبوتي وإريتريا، للإفادة من الموانئ، لكن محاولة القفز على أرض من الأراضي لمحاولة السيطرة عليها، لن يوافق عليه أحد.

بلهجة صريحة وواضحة قال السيسي "محدش يجرب مصر ويحاول يهدد أشقاءها خاصة لو أشقاءها طلبوا منها التدخل"، وبهذه المقولة أيضاً شدد الرئيس السيسي على أنَّ الصومال دولة عربية ولها حقوق طبقًا لميثاق الجامعة العربية فى الدفاع المشترك لأي تهديد لها، كما أنَّ مصر لن تسمح لأحد بتهديدها أو المساس أمنها، موجهاً في الوقت ذاته رسالة طمأنة لنظيره الصومالي، قائلاً: "اطمئن وبفضل الله نحن معكم ونقول للدنيا كلها نتعاون ونتحاور بعيدًا عن أي تهديد أو المساس بالأمن والاستقرار".

تصريحات السيسي تحمل كثيراً من الرسائل، لعل أهمها إبراز ثقل مصر الإقليمي، وكذلك تأكيد الضغط على إثيوبيا لحل الأمور بالأساليب الدبلوماسية بعيداً عن العشوائية وتدخلها في شؤون الصومال والمساس بوحدتها، وكذلك الإشارة إلى أنَّ مصر لن تفرط في حقوقها المائية، وأن محاولة القفز على حقوق الدول أو على أراضيها لن يرضي أحداً. فهل تعي أديس أبابا تلك الرسالة؟!

وبالرغم من التهديد الأثيوبي الأخير للصومال، وكذلك لمصالح مصر المائية، إلا أنَّ القاهرة قطعت شوطاً كبيراً في المحاكم الدولية لمحاولة إخضاع إثيوبيا عن مخططها الاستعماري على مياه النيل، فكعادتها واصلت مصر التعامل مع المفاوضات بالجدية وحسن النوايا من أجل التوصل لاتفاق عادل ومتوازن، يراعي مصالحها الوطنية ويحمي أمنها المائي، وكذلك يحفظ حقوق الشعب المصري، بما لا يتعارض مع مصالح أديس أبابا أو الخرطوم، لكن من الواضح أن سياسة "البلطجة" التي تمارسها إثيوبيا تجاه حقوق مصر المائية، وكذلك تدخلها السافر في شؤون الصومال، لا يمر مرور الكرام!

وقياساً على أزمة سد النهضة، لم تخضع إثيوبيا لقرار أحد، بل واصلت سياسة "التعنت والجور" على حقوق شقيقاتها ورفضت الجلوس على مائدة المفاوضات من أجل الوصول إلى حل عادل يرضي جميع الأطراف، كما واصلت عملية ملء سد النهضة، وضربت بالاتفاق الملازم عرض الحائط، ولم تكتف بذلك، بل انتهكت اتفاق إعلان المبادئ الموقع في 2015. فإلى متى ستستمر سياسة التعنت الإثيوبي؟ وإلى متى ستحافظ مصر على هدوئها؟!

إقرأ أيضاً: هل يمكن للذكاء الاصطناعي توقع الموت... حقاً؟

إنَّ التصرفات الأحادية المخالفة للقانون الدولي تقوض بالتأكيد كل الحلول الدبلوماسية التي تخوضها القاهرة لحل أزمة سد النهضة، خصوصاً بعد إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد انتهاء عملية تعبئة سد النهضة الضخم على النيل الأزرق، والذي يشكل مصدر توتر مع مصر والسودان. فلماذا يصر "آبي أحمد" على استفزاز القاهرة؟!

بالرغم من تعقد الرؤية الإثيوبية لحل أزمة سد النهضة، وافتعال أديس أبابا توتراً في المنطقة بمخالفة كل المواثيق الدولية، أقدمت أيضاً على انتهاك حقوق دولة الصومال فى أراضيها، ووقعت اتفاقاً مفاجئاً مع زعيم أرض الصومال المنشق ليمنحها لمدة 50 عاماً منفذاً على البحر الأحمر بطول 20 كيلومتراً، يضم خصوصاً ميناء بربرة وقاعدة عسكرية، وذلك مقابل أن تعترف أديس أبابا رسمياً بأرض الصومال، المنشقة عن الصومال، جمهورية مستقلة. فلماذا تواصل إثيوبيا أن تكون "شوكة" في ظهر دول المنطقة؟

إقرأ أيضاً: صححوا معلوماتكم عن الكورد

وبالرغم من هذا الاتجاه، فمن الواضح أنَّ مصر غير راغبة بالدخول في مواجهات عسكرية أو حروب، كما أنَّ الصومال ما زال يحارب التنظيمات الإرهابية ويعيد ترتيب بيته الداخلي، ما يقعده عن خوض أي عمليات عسكرية، ويفضل الجميع اتخاذ المسارات الدبلوماسية للدفاع عن حقوقه. فعلى إثيوبيا احترام القوانين الدولية والحلول الدبلوماسية لحل أزماتها مع الدول الشقيقة.

إثيوبيا كذلك لم تأبه لدعوة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومصر وتركيا، لها، باحترام سيادة الصومال. ومصر لن تسمح لها باستفزاز الجميع، وقد تبادر إلى عمل تكتيكي يحرج إثيوبيا في ظل ممارستها دبلوماسيتها في القارة الأفريقية لحماية مصالحها ومصالح المنطقة.

ونعود للحديث عن تصريحات السيسي، فمن الواضح أنها تشير إلى احتمال وجود فصل جديد من فصول التوتر في ظل استمرار "العناد الإثيوبي"، خصوصاً أنَّ القاهرة صاحبة حضور قوي بجنوب السودان وكينيا وأوغندا والصومال، ودول جوار إثيوبيا، وبالتالي فيبدو أنها لن تتردد في حماية أمنها وأمن المنطقة إذا اقتضى الأمر ذلك.

إقرأ أيضاً: المغرب والسعودية... أمل الجماهير العربية

ما يبرهن على هذا الحديث تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي أشار - في كلمة خلال الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الذي عقد عن بُعد - إلى تحذير مصري سابق من مغبة السياسات الأحادية لإثيوبيا المخالفة لقواعد القانون الدولي، وكذا لمبادئ حسن الجوار، والتي تهدف للعمل على فرض سياسة الأمر الواقع دون الاكتراث لمصالح الحكومات والشعوب الإفريقية، كاشفاً في الوقت ذاته أنَّ التطور الأخير بتوقيعها على اتفاق بشأن النفاذ إلى البحر الأحمر مع إقليم أرض الصومال جاء ليثبت صحة وجهة النظر المصرية بشأن أثر تلك التحركات والسياسات على استقرار الإقليم وزيادة حدة التوتر في العلاقات بين دوله، مؤكداً أنَّ إثيوبيا باتت مصدراً لبث الاضطراب في محيطها الإقليمي.

وتكشف تصريحات شكري عن وجود عزم مصري لتوفير ما يلزم للجانب الصومالي من تدريب ودعم لكوادره، وبما يمكنه من استعادة سيادته على كامل أراضيه. فهل تحمل الأيام المقبلة رداً قوياً يثني إثيوبيا عن مسلسل الجور على الأشقاء؟!