لا يمکن أبداً الفصل بين قيام مجلس صيانة الدستور باستبعاد الرئيس السابق حسن روحاني من المشارکة في انتخابات مجلس خبراء القيادة، وبين عملية الاستبعاد الواضحة لرموز التيار الذي کان يتزعمه خلال الانتخابات التشريعية الماضية، ومع أن هناك وجهة نظر بخصوص انتفاء الحاجة لهذا التيار ولروحاني نفسه من قبل النظام، حيث أدى الدور المناط به لفترة زمنية محددة في صالح النظام، لکن في نفس الوقت هناك وجهة نظر أخرى وهي المرجحة، وترى أن إستبعاد روحاني قد جرى وفق سياسة الانکماش السياسي الذي يتبعه خامنئي منذ عام 2021.

لا يمکن من دون شك النظر إلى إستبعاد روحاني على أنه مجرد تطور عادي يمکن المرور عليه مرور الکرام، لا سيَّما أن الرئيس السابق شغل خلال الأربعين عاماً المنصرمة مناصب بالغة الأهمية والحساسية، فقد کان عضواً في خمس دورات في مجلس الشورى (البرلمان الإيراني)، وکان عضواً في مجلس الخبراء ثلاث مرات، کما عمل لمدة 16 عاماً کأمين لمجلس الأمن الأعلى، وأخيراً تولى رئاسة الجمهورية لولايتين متتاليتين.

يستدل من خلال مراجعة سجل روحاني، أنه کان مستميتاً في الدفاع عن النظام، لا سيَّما خلال ترؤسه مجلس الأمن الأعلى، حيث کان يقود المفاوضات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني مع وفد الترويکا الأوروبية، وذکر في کتاب له بشأن هذه المفاوضات أنَّه تمکن من خداع هذا الوفد أثناء المفاوضات. وفي عز الفترة التي کان يقود فيها التيار الإصلاحي المزعوم في النظام، کان يدافع عن عقوبة الإعدام ويرى فيها ضرورة لا بدَّ منها، مع ملاحظة أنَّ روحاني قاد البلاد في فترة کانت التهديدات تحدق بها من کل جانب، وکان النظام بأمس الحاجة لامتصاص زخم تلك التهديدات، وضمان عبوره إلى مرحلة أخرى بسلام. غير أن کل ذلك لم يشفع لروحاني، أما السبب فيکمن في اندلاع انتفاضتي 2017 و2019، اللتان عصفتا بالنظام وشهدتا إطلاق شعارات تطالب بإسقاط النظام والموت لشخص خامنئي، بمعنى أنه قد فشل في الدور الموكل إليه کإصلاحي معتدل في السيطرة على الشارع وضمان الأمان للنظام.

هاتان الانتفاضتان، وإن قام روحاني بقمعهما بممارسة العنف والقسوة المفرطة وقتل المئات واعتقال الآلاف، لکنه لم يتمکن من إخماد جذوتهما الأساسية التي إندلعت مرة أخرى في أيلول (سبتمبر) 2022، وکانت الأخطر على النظام، ومع أن الانتفاضة الأخيرة قد اندلعت خلال رئاسة إبراهيم رئيسي، لکن يبدو أنَّ النظام لم يقم بعزله عن الانتفاضتين السابقتين، لا سيما من حيث ازدياد دور منظمة مجاهدي خلق فيهما، كما في الأخيرة أيضاً وهو الأمر الذي أغاظ النظام عموماً وخامنئي خصوصاً، لذلك صدر قرار إبعاد صارم بشأنه، مع أنه، أي روحاني، قد سعى کثيراً للتقرب من خامنئي والتزلف له، وروج کثيراً لانتخابات آذار (مارس)، لکن يبدو أن کل ذلك لم يشفع له.

ما يريده النظام ويسعى إليه في سياسة الانکماش التي يتبعها، هو إغلاق مختلف الثغرات الفعلية والمحتملة قبل أن تندلع أحداث وتطورات قد يصعب عليه السيطرة عليها في هذه الفترة بالغة الخطورة والحساسية، لذلك فإنه يلجأ الى أبعد ما يمکن تصوره من أجل المحافظة على النظام.