نادراً ما تجد قطباً من أقطاب الساسة، وعلماً من أعلام الأدب، ورائداً من رواد الفن، وسرى من سراة الأمة، لا تربطه بالكبر والخُيلاء رحم ماسة ونسب دان، فالخُيلاء يستقي من ينبوعها الزاخر جُل أصحاب الرفعة والسُّمُو الذين تسلقوا ذرى الصلف، وعلوا شوامخ الغرور، فبعض من فشا ذكرهم في الألسنة، ورنّ صيتهم في الأقطار، يعتقدون أنّ الله عز وجل وهبهم القسط الأجزل من الشرف والسؤدد، والقسم الأتمّ من الغنى والجاه، والحظ الأكفى من العقل والفهم، نعم هذا ما يعتقده من طوى ذكره المراحل وجاب الأمصار، لذا نراه يعتز بنفسه سادراً، ويصول بها راغباً، فكيف لا يزهو على أكفائه، ويتكبر على نظرائه، وقد مُهِدَ له الصواب، وسُخِرَ له الخطاب، كيف لا يُصعِّر خده، ولا يلوى عِذاره، وقد استحوذ على الاعجاب، وبلغت هامته السحاب، بل كيف لصاحب الأياد العظيمة، والهبات الجسيمة، آلا يخطر عجباً، ويميس اختيالاً، وهو من لا يغفل في تفكر، ولا يذهل في تدبر، ولا يفشل في عزم.

إنَّ القول الذي لا دافع لواضح حجته، أو مدحض لنير برهانه، أنّ المُختال صاحب المنن والفواضل الذي أقام بهذا الصقع، ورسخ بهذه الناحية، نحلنا يداً، وأسدى لنا معروفاً لا ينهض به شكر، أو يستوفي حقه ثناء، فقد ذلل عنّا المتعذر، وسهّل لنا المتوعر، وشفانا من الداء العُضال، والعناء المُستشري، فشمس العقول، ومُصباح الأذهان، الذي يعرف بالفراسة ما لا يعرفه غيره بالتجربة، يصفح الزلات، ويقيل العثرات، ويطيل المُباحثات، مع كليل البصر، وأعشى اللحظات، الذي نكص عن الهيجاء، ونكل عن الوقيعة، والوغد الزنيم راسخ القواعد في العمالة، وطيد العوائد في الارتزاق، أرخى قريع دهره، ونسيج وحده، حزبنا الصمد خناقه، وأخلى سبيله، بعد أن أجلاه عن منجم الدولة، ومنبع المال، بعد أن شمخ فيها بأنفه وعاث فيها فسادا. والمباحثات البغيضة التي لا يشرح معناها وصف، ولا يبلغ كنهها لفظ، نكون فيها أشدّ الناس اكراماً لأبعدهم من كرامتنا استحقاقاً، ونعود منها بأوعث سفر، وأشقّ غاية، ويعود من استزلته الضغائن، وفتنته الأحقاد بقلائد الابتهاج، ومآلف الاغتباط.

لقد قصمتنا قواصم التدخلات، وطرقتنا طوارق المباحثات، ونزلت بنا نوازل المفاوضات، فحتى متى نوادد من لا بقاء لوصله، ولا دوام لعهده، ولا وفاء لعقده؟

أسئلة عصية على الاجابة.