يسعى النظام الإيراني کثيراً عبر وسائل إعلامه، وکذلك عبر لوبياته المتواجدة في البلدان الغربية، وبشکل خاص في الولايات المتحدة الأميرکية، إلى الإيحاء بأن التغيير السياسي في إيران هو مطلب ديماغوجي وغوغائي، تطالب به معارضة سياسية لا دور لها أو تأثير في داخل إيران، کما ترکز هذه اللوبيات بصورة خاصة على أن الشعب لا يطالب بالتغيير السياسي، وإنما بتحسين أوضاعه المعيشية، وهو أمر ممکن وقابل للتحقيق.
کما أن النظام الإيراني يسعى أيضاً إلى الإيحاء، وعبر طرق وأساليب مختلفة، إلى إظهار نفسه في مظهر الحريص على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وأنه مستعد لکي يؤدي دوره بهذا الصدد، وهو في سعيه بالاتجاهين اللذين ذکرناهما، يحاول قطع الطريق على بلدان المنطقة والعالم بعدم التفکير بالتغيير السياسي في إيران، على قاعدة أنه جهد عبثي لا طائل من ورائه، ولن يحقق أيّ نتيجة.
والسؤال هل حقاً أنَّ الأمور هي کما يسعى النظام الإيراني إلى تصويرها، وهل صحيح أن التغيير السياسي في إيران ليس بمطلب شعبي، وأن النظام نظام يمکن الاطمئنان إليه إقليمياً ودولياً، لکونه يحرص على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم؟ من دون شك، إن الأمور ليست أبداً على ما يسعى النظام الإيراني إلى تصويره وإظهاره، إذ أن السخط والتبرم الشعبي من النظام صار حقيقة وأمراً واقعاً لطالما اعترف به قادة النظام ووسائل إعلامه، لکنهم کعادتهم دائماً يسعون إلى تحريف وتزييف الحقيقة عبر الادعاء کذباً أن هناك مؤامرة خارجية ضد النظام، ولا علاقة لها بالشعب، وهو زعم واه يدعو إلى السخرية.
التغيير ضروري وملح جداً لإيران؛ هذا ما کان يؤکد ويصر عليه المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية منذ تأسيسه في عام 1981، بل إن الشعار الرئيس له کان ولا يزال إسقاط النظام، ولئن کان هذا الطرح قد جوبه بعدم القبول والتجاهل في أفضل الاحوال، فإن الأحداث والتطورات الجارية أثبتت أن ما طالبت المقاومة الإيرانية وتطالب به هو عين الحق والصواب، خصوصاً بعد أن أثبتت ممارسات النظام وتصرفاته الخرقاء أنه أغلق کل الأبواب في وجه العالم، مؤكداً استحالة التعامل معه بالطرق الاعتيادية، خاصة بعد معرفة دوره غير العادي داخلياً وإقليمياً ودولياً والذي يصر عليه ولا يکف عنه أبداً، بحيث لم يبق من باب سوى باب تغييره.
وتجدر الإشارة هنا إلی ما تضمنته الرسالة النوروزیة للسیدة مریم رجوي، رئیسة المجمهوریة المنتخبة للمقاومة الإیرانیة، لمناسبة حلول العام الإیراني الهجري الشمسي الجدید (1403) بما یلي: "أراد (علي) خامنئي، من خلال التحريض على الحرب في المنطقة، إخراج النظام في انتخاباته البرلمانية من المأزق الناجم عن انتفاضات 2022 و2019 و2017. لقد حشد كامل أركان نظامه دون تحفظ لهذا الغرض. لكن ما حدث كان أكبر مقاطعة في تاريخ الحملات الانتخابية للنظام. هزم خامنئي وبحسب قائد المقاومة الإيرانية مسعود رجوي قد سمع صوت ثورة الشعب. لقد كان صوت الثورة وصوت الانتفاضة. ولا شكّ أن مطرقة الثورة ستنزل أيضاً؛
"أراد خامنئي أيضاً إكمال جدول تركيبة النظام في هذا العرض بعناصر خالصة له. لكن ما حصل في انتخاباته مجيء نصف دزينة من العصابات المتوحشة التي لم تصل بعد إلى البرلمان بدأت التصارع بينها؛
"نقول لخامنئي وجلاديه وكل النهابين المتعششين في بيته: 'اغرقوا في التصارع والتنازع حول خلافة خامنئي ما تشاؤون. لقد أسقط الشعب الإيراني عناء اختيار خليفة عن عاتقكم. البديل المقدر مسبقاً هو جمهورية ديمقراطية تقوم على الانتخابات الحرة، والفصل بين الدين والدولة، والمساواة بين الرجل والمرأة، والحكم الذاتي للقوميات المضطهدة. لقد أثبتت أحداث العام الماضي أن اعتقال 30 ألفاً من المنتفضين وإعماء الشباب وقتل 750 شاباً ومراهقاً لم يقلل من الاستعداد الاجتماعي للانتفاضة والإطاحة بالنظام. كل شيء يشير إلى غليان الظروف الموضوعية إلى الإطاحة بالنظام'".
إقرأ أيضاً: النظام الإيراني ومواجهة الحقيقة
نعم، هذا النظام الذي اعتمد منذ اليوم لتأسيسه نهجاً لا يتفق أبداً مع منطق العصر، أثبت من خلال تصرفاته وأعماله بأنه يغرد دائماً خارج السرب، وکيف لا وخطابه الذي يتقاطع مع العالم من کل الوجوه، ولا ريب في أن دول العالم قد ضاقت ذرعاً بهذا النظام وطفح بها الکيل من تصرفاته المشبوهة غير المسؤولة ومن الآثار والنتائج المدمرة لسياساته السلبية المزعزعة للأمن والاستقرار، ولهذا فإن الأنظار صارت تتطلع للتغيير وضرورة تحقيقه کأفضل خيار ممکن للشعب الإيراني، والذي لا شك فيه أن الحديث عن التغيير، شئنا أم أبينا، سيقود قهرياً إلى المقاومة الإيرانية باعتبارها صاحبة القدح المعلى بهذا الخصوص، لا سيَّما أنها تمتلك قاعدة جماهيرية کبيرة في داخل إيران لا تمتلکها أي جهة سياسية معارضة إيرانية أخرى، مثلما لا يوجد من يمکن أن يضاهيها في تأريخها النضالي ضد النظام.
ونعود مرة أخری إلی رسالة السیدة رجوي النوروزیة حیث قالت فيها: "بالضبط في ذكرى انتفاضة 2022، أفرجت الولايات المتحدة عن 6 مليارات دولار لخامنئي. وكان النظام قد استفاد قبل ذلك من تخفيف العقوبات وزادت عائداته النفطية. وتوقع الطرف الأميركي أن يتم تخفيض هجمات النظام وصراعه في المنطقة وإبطاء تخصيب اليورانيوم. لكن هذه الأوهام استمرت ثلاثة أسابيع فقط. في البداية، قاد النظام المنطقة إلى الحرب، كما أطلق وكلاءه في البحر الأحمر لشن هجمات. في الوقت نفسه، زاد من معدل تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة بمقدار ثلاث مرات. لأنه من أجل الحفاظ على هذا النظام الذي وصل إلى طريق مسدود، لا توجد طريقة أخرى سوى زيادة القمع والتحريض على الحرب والإرهاب والأسلحة النووية؛
إقرأ أيضاً: خامنئي بين سندان الأزمة ومطرقة الثورة
"نعم، النظام الغارق في الجريمة وسفك الدماء والنهب من الرأس حتى أخمص القدم، ليس لديه سوى حل واحد وهو إسقاطه. أولئك الذين يعتقدون خلاف ذلك، سوف يضربون على حديد بارد. لقد ولى عهد هذا النظام، وحان وقت الشعب والانتفاضة وجيش الحرية العظيم".
التغيير الذي هو بمثابة قدر لإيران، لا يمکن أبداً التهرب منه بعد أن أثبت النظام القائم عدم جدارته بإدارة أمور الشعب الإيراني من جانب وکونه نظام مثير للفتن والمشاکل والأزمات، وأنه بٶرة تصدير التطرف والإرهاب للمنطقة والعالم، وهو، أي النظام، وفي خطه العام، لا يمکن أن يکون عاملاً إيجابياً في استتباب الأمن والسلام في المنطقة، خصوصاً أنه يصر على التمسك بتدخلاته وبوکلائه في بلدان المنطقة، وهو الأمر الذي يتناقض تماماً مع ادعائه الحرص على الأمن والسلام، ولذلك فإن التغيير في إيران مطلب مهم وملح يصب في مصلحة الجميع.
التعليقات