"مدمروك ومخربوك منك يخرجون"، آية من التوراة من سفر يشعياهو وتعني ان خراب البلاد يأتي من داخلها ومن أشخاص ذوي نفوذ فيها، هذه حال إسرائيل اليوم ويبدو أن قادتها الحاليين يدمرونها ويعيثون فيها خراباً وتتحقق الآية التوراتية.

امتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرار وقف النار الفوري برمضان في غزة والاكتفاء بالامتناع في التصويت هو رسالة أميركية واضحة لنتانياهو وحكومته المتطرفة.

إعلان نتانياهو في أعقاب القرار عدم إرسال وفد حكومي للبيت الأبيض لبحث مسألة رفح والتلويح باجتياحها، لهو دليل على عمق الهوة بين إدارة بايدن وبين الحكومة الإسرائيلية الحالية.

هذه الحكومة بدأت تفقد الشرعية بعد ؤعلان غدعون ساعر الانسحاب من حكومة الحرب، وأيضا إعلان غانتس الاستقالة في حال إقرار قانون إعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية.

البيت الأبيض لم يكترث لإعلان نتانياهو منع الوفد من السفر إلى واشنطن واعتبروه نابعاً من اعتبارات سياسية داخلية، ويبدو أن البعض هناك تنفس الصعداء لأنهم أُعفوا من سماع عظات الوزير رون ديرمر ونصائح تساحي هنغبي مستشار الامن القومي للدولة العظمى والأقوى والأهم في عصرنا الحديث.

إسرائيل في تخبط كبير، ففي حين يلوح نتانياهو بالحروب والدمار، يرى البعض الآخر بامتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض رسالة واضحة لحكومة إسرائيل مفادها أن وقتها قد نفذ وعليها المغادرة، وأن الولايات المتحدة لن تستطيع حماية مزيد من الحرائق والدمار في غزة، خاصة وأن إدارة بايدن على شفا انتخابات مصيرية من حيث البقاء أو من عدمه في البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى.

في المؤسسة الأمنية، يرون تصرف الولايات المتحدة هذا تمهيداً لوقف إمدادات الأسلحة والذخائر الضرورية لاستمرار الحرب ضد حماس او حماية البلاد من صواريخ حزب الله في الشمال ويعلقون الامال على مباحثات وزير الدفاع يوآف غالانت في البنتاغون واقناع المسؤولين هناك بضرورة الضغط اكثر عسكريا في غزة من اجل استعادة المحتجزين وانهاء حكم حماس في غزة وبالتالي تجنب الحرب مع حزب الله في الشمال وقد التقى هناك بوزير الخارجية انتوني بلينكن الذي قدم مقترحا بديلا لاجتياح رفح عسكريا لم يفصح عن تفاصيله حتى الساعة.

الأزمة ليست بين حكومة اسرائيل والولايات المتحدة فحسب، بل باتت جلية ايضا الفجوة العميقة بين قيادة الجيش الاسرائيلي وبين اعضاء الحكومة الذين باتوا يرجمون الجيش ويصفونه بالمتخاذل في وقت الحرب، زد على ذلك تصريحات الحاخامات المتدينين ضد الجيش والتجنيد.

المجتمع الإسرائيلي اصبح منقسما بشكل كامل بين مؤيد لليمين المتدين والمتطرف، المتمثل بنتانياهو ووزراءه وبين العقلاء ممن يرون الحل في اجراء انتخابات وتغيير سلم أولويات الدولة ووقف الحرب واستعادة المختطفين والعمل على ترتيبات اليوم الذي سيلي الحرب بدون حماس في غزة.

قرار مجلس الامن لوقف فوري للنار في رمضان يحرج اسرائيل كثيرا لكنه لا يلزمها ويضعها في موقف المدافع كل الوقت وعدم الالتزام بالقرار سيستخدم ضدها في العدل الدولية ومحافل اخرى ويجعلها تصارع لحصد التأييد المفقود حاليا، هذا من جهة اما من ناحية اخرى فالقرار وضع حماس في مصيدة اذ قبلته فورا مع انه لا يتضمن انسحابا اسرائيليا من غزة ولا اعادة اعمار ولا يشكل وقفا دائما لاطلاق النار وامكانية اتخاذ قرار مكمل لهذه الروحية غير واردة لان الولايات المتحدة ستستخدم حق النقض لانها إلى جانب اسرائيل مهما حصل ولن تكسر الجرة معها الان ولا مستقبلا لكنها لن تتهاون مع حكومة تضع اصبعا مثلثا في عين رأس البيت الأبيض بغض النظر عن كونه ديموقراطيا او جمهوريا.