ليس الأردن وحده المستهدف، بل كما أسلفنا في الجزء الأول من هذا المقال، فالأردن والسعودية ومصر تمثل هدفاً رئيسياً اليوم لملالي طهران، ولكن الأردن في هذه الفترة أو بالأحرى منذ عام 2003 يمثل هدفاً استراتيجياً للملالي الذين يكنون عداءً شديداً له منذ زمن حرب العراق، بسبب وقوفه إلى جانب العراق ومساندته كدولة عربية ودولة جارة، كما أن استهداف الأردن اليوم يأتي كونه يقع تحت ظروف اقتصادية وسياسية صعبة بسبب الحصار الصامت الذي يفرضه الملالي عليه من خلال وجودهم في سوريا العراق ولبنان، ومن خلال ما يجري في فلسطين، ومن يعرف طبيعة نظام ولي الفقيه ورؤيته وطريقة عمله يعرف أن السعودية كانت ولا تزال في مقدمة الأهداف ضمن مخططاته التوسعية، وبالتالي فإن موقع الأردن الآن يُعد بالنسبة إلى هذا النظام موقعاً هاماً لإحكام دائرة الطوق على شبه الجزيرة العربية بأكملها من خلال الهيمنة على العراق والأردن واليمن وسوريا.

قاد نظام الملالي حرباً ناعمة ضد الأردن خلال العقود الثلاثة الماضية، وحاول احتواء وابتلاع الأردن من خلال السياسة الناعمة التي اتبعها المُلا محمد خاتمي عندما كان رئيساً لجمهورية الملالي، لكنه فشل في ذلك، وكم حاولوا بعدها دخول الأردن من باب السياحة والتبادل الثقافي كمداخل تمكن حرس ومخابرات الملالي من التغلغل في أوساط المجتمع ودعم قوى التطرف فيه ومدهم بالمال والسلاح، وأيضاً فشلوا في ذلك على النحو الذي يحقق طموحهم، وأما المحاولات العدائية التي لم تنته منذ قيام الثورة الوطنية السورية فقد كانت ممنهجة وتهدف إلى استنزاف طاقات الأردن وإغراقه بالمخدرات والسلاح وتوفير الأموال اللازمة لأي عمليات إرهابية محتملة في الأردن أو في دول عربية أخرى يمكن التحرك إليها من الأردن، كحركة المخدرات من الأردن الذي بات ممراً إلى دول المنطقة، كذلك كانت مظاهرات الجماعات الموالية للنظام الإيراني على الحدود العراقية الأردنية مطالبة الأردن بفتح حدوده والسماح لهم بالدخول لتحرير فلسطين كانت ضمن النهج العدواني المتبع ضد الأردن.. أما المحاولات العدائية الأخيرة التي جاءت صريحة ومباشرة، فقد كانت من خلال خطاب الميليشيات التابعة لنظام الملالي، والتي أعلنت عن استعدادها لتمويل وتسليح الجماعات والخلايا النائمة في الأردن، ممن قد يستجيبون لهكذا نوع من النداءات، وكذلك كان انتهاك المجال الجوي الأردني من قبل صواريخ ومسيرات الملالي أمراً عدوانياً، إذ لم يكن بتنسيق مع الأردن، وكذلك لم تكن هناك حاجة لذلك إن أرادوا تحرير فلسطين، فكان بإمكانهم فعل ذلك من سوريا أو لبنان، واستخدام العراق كمواقع خلفية للإسناد، وهنا نتساءل أليست الأراضي السورية واللبنانية حدودية مع فلسطين المُحتلة، وإن كانت كذلك فلم الاستعراض بمسيراتهم وصواريخهم في أجواء الأردن، وقد سقط معظمها في الأردن كمخلفات ألعاب نارية، وكأنهم كانوا يستهدفون الأردن وليس الكيان الصهيوني المحتل، ولم تكد تمر أيام قلائل على انتهاك سيادة المجال الجوي الأردني حتى نشرت صحف ووكالات أنباء رسمية تابع لنظام الملالي نصوصاً عدوانية تنال من الأردن وتسعى إلى تشويهه للتغطية على افتضاح أمرهم وحقيقة علاقاتهم مع الغرب والاحتلال في فلسطين التي لم تعد اليوم خافية على أحد.

وبالطبع كانت الحرب على العراق وتعاون الملالي مع الكيان الصهيوني المُحتل للقضاء على العراق وقدراته تمهيداً لتنفيذ مخططات الملالي بالمنطقة، وقد تحمل العراق ضريبة حماية البوابة الشرقية للأمة العربية ولم يدرك ويعترف الكثيرين بفضل العراق في ذلك. أما اليوم فبعد هدم بوابة العرب الشرقية (العراق) عام 2003 فلم تعد هناك بوابة شرقية ولا حصن ينتمي ويحمي ويضحي، وبدأ تساقط دولنا واحدة تلو الأخرى ولا تستبعدوا المزيد ولا يغرنكم تحالف هذا أو ذاك، وخيارنا الوحيد اليوم هو إسقاط نظام الملالي.

خلاصة القول
سقطت الأقنعة وتهاوت كل الشعارات وبات اللعب على المكشوف بعد سقوط أربع دول عربية في يد نظام الملالي الحاكم في إيران، والتسبب في اتساع رقعة الشقاق بين الأشقاء في فلسطين واليوم دمار وإبادة غزة في حرب غير متكافئة في حين يرفع الملالي شعار "وأعدوا لهم ما استطعتم" وفي حقيقته هو شعار للتهرب والمناورة إذ لم يُطبق هذا الشعار على فلسطين وغزة فخلقوا المسببات التي من شأنها أن توفر الأسباب للعدو المُحتل فيقوم بإبادة غزة والقضاء على حُلم قيام الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين الفلسطينيين وهو ما كان ينتظره المُحتل، وبعد هلاك غزة وقتل أطفالها ونسائها وشيوخها وما يجري فيها مجاعة وفظائع وفضائح على قوات الاحتلال تأتي حزمة من المفرقعات لم تصل إلى أيٍ من مواقع المُحتل الصهيوني ولم تُلحق به أدنى ضرر، بل عززت موقفه وتحول من جاني إلى مجني عليه أمام أنظار القوى التي تدعمه وتشجع على بقائه كآلة تدميرية في المنطقة، حيث تتقاسم إسرائيل أدوار التدمير والهيمنة على المنطقة مع نظام الملالي، وبعد الهيمنة على العراق وسوريا ولبنان واليمن ومحاولات إثارة الفتن في الأردن من خلال الجماعات الموالية لهم يمكن القول إنَّ الهدف الحالي لنظام الملالي في المنطقة هو الأردن وليس أي طرف آخر، وما تأجيج الشارع الأردني اليوم في بعض مواقفه إلا نتاجاً لتدخلات نظام ولاية الفقيه في الأردن بشكل مباشر أو غير مباشر، وأخر ما يمكن قوله للمخدوعين بالنظام الإيراني هو أن الملالي سعوا إلى احتلال الأردن مرارا ونشر الفوضى فيه ولم يتمكنوا من ذلك، وأما إن حدث وتمكن الملالي من احتلال الأردن فلن يحرروا فلسطين ولا تعنيهم القدس في شيء، وها قد مكنوا المحتل في فلسطين من هدم غزة وتبرير جرائمهم وكسب دعم عالمي يمكنهم من إذلال الشعب الفلسطيني الذي لم يتبرعوا له بشاحنة مواد غذائية، ولفهم ما يتعرض له الأردن من عدوان وإرهاب على يد ملالي إيران والميليشيات وعصابات المخدرات والتهريب الموالية لهم كان ولابد من التعريج على حقيقة الموقف المتعلق بنوايا الملالي في المنطقة التي لن تنجو منهم إلا بزوال هذا النظام وقيام جمهورية ديمقراطية تحترم حقوق الأقليات العرقية والدينية والمذهبية في إيران وتحترم مبادئ حسن الجوار.