التئمت حكومة الكيان على عَجل بعد عِظَم ما يأتي من جبهة الشمال، فحزب الله يقوم بعمليات دقيقة وجريئة ومؤذية بشكل أفقد العقول في كل مؤسسة الكيان واستنفذت كل استراتيجيته ووضعته في مأزق خياراته فيها محدودة بل تكاد تكون صفرية.
قلنا سابقاً ما بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) ليس كما قبله، وزمن الهزائم ولّى، وشعار وحدة الساحات والجبهات تم تطبيقه بطريقة أو بأخرى وبمسميات مُتعددة منها ما سُمي جبهة إسناد ومنها ما سُمي جبهة مشاغلة ومنها ما كان جبهة حصار اقتصادي أدى إلى حضور "الناتو" بقيادة أميركية في محاولة منه لوقف ذلك ولم يستطع ولن يستطيع، وهناك جبهة الضفة الغربية التي تُقدّم بشكل يومي ما تستطيع عليه لأسباب ليس الآن هو المجال لذكرها ولكنها قادمة لا محالة.
اليوم نستطيع القول إنَّ بدايات الطوفان التي بدأت من غزة الشرف والكرامة والتي أخذت أشكالاً متعددة تتدحرج نحو المعركة الفاصلة التي تقترب شيئاً فشيئاً، وإن الفرصة لفرض واقع جديد ومشهد غير مألوف للكثير سيظهر حتماً، لأنَّ مشهد الإبادة لا يمكن أن تكون نتيجته ألاعيب أميركية ومحاولات لٓيِّ التاريخ الذي كُتبَ بدماء الأطفال والنساء، ورسم برسمات الدمار الذي أحدثته الآلة الأميركية بيد جيشٍ مجرم لا أخلاقي حوَّل قطاع غزة إلى كتلة ركام.
تجتمع حكومة الكيان وهي تعلم أن حادثة حرفيش كانت رسالة واضحة لما هو أعظم، وأن التصعيد الذي يتحدث عنه أقطاب حكومة بنيامين نتنياهو نتيجته قيام حزب الله باستهداف قاعدة عسكرية في حرفيش، أي أنّ الرد كان عملياً وببث مباشر كما صرح بذلك سابقاً أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، وهو بذلك يقول للسيد نتنياهو باعتباره أعقل الموجودين في هذه الحكومة إن عليكم التفكير مليون مرة قبل القيام بعمليات تتجاوز قواعد الاشتباك، وفي نفس اللحظة يقول لسيده في البيت الأبيض الرئيس جو بايدن عليك أن تستعجل الموقف الإسرائيلي بالموافقة على شروط حماس والمقاومة في غزة، لأن هذا هو وحده القادر على منع الهزيمة الاستراتيجية لك ولمستعمرتك في غرب آسيا، لكن السؤال وضمن المتابعات لما يصدر ويُصرح فيه في الإعلام لدى الكيان يوحي بأمور مختلفة تُعبر عن مفهوم الإستعلاء والإستكبار الذي لا يعكس حقيقة الواقع خاصة بعد ملحمة البطولة في غزة العزة.
التحديث الأمني للحكومة الإسرائيلية
أعتقد أن الفرصة بالنسبة إلى نتنياهو قد نضجت وأصبح بالإمكان إستغلالها، وهذا يتلخص بما يلي:
أولاً - نتنياهو في أزمة داخلية مع أقطاب حكومته المتطرفين، وأيضاً مع القادمين إلى حكومة الطوارىء أو المعسكر الوطني، وهو بحاجة إلى حدث جديد يعطيه الفرصة لكي يُلمم نفسه من جديد.
ثانياً - نتنياهو في أزمة مع حليفته الاستراتيجية الولايات المتحدة ومع كل العالم وبالذات حلفاء إسرائيل في أوروبا.
ثالثاً - نتنياهو مهدد من محكمة الجنايات الدولية بإصدار قرار بإعتقاله، وإسرائيل تحاكم في محكمة العدل الدولية بشبهة الإبادة الجماعية.
رابعاً - إسرائيل كلها تعيش أزمة على مستوى العالم ككل، وتعيش أزمة الإنقسامات الداخلية المتعددة من أسرى ومحتجزين إلى قانون التجنيد إلى الإتهامات المتبادلة بين مؤسسة الجيش والأمن من جهة والمستوى السياسي الحاكم والمتطرف من جهة أخرى.
خامساً - إسرائيل على الصعيد الداخلي أصبحت في واقع أصعب مما كانت عليه قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر) خلال فترة الصراع على ما عرف باسم "الإصلاح القضائي".
قلنا لكم ونعيدها، ليس السابع من تشرين الأول (أكتوبر) سوى البداية وتداعياته عظيمة لأنه حدث غير مسبوق في التاريخ المعاصر، وكشف عيوب دولة الإستعلاء وصاحبة الإفراط بالقوة، ومقولة "ما لا يأتي بالقوة سيأتي بمزيد من القوة"، وهنا ووفقا لتلك العقلية التي لا تريد أن تُغادر مربع القوة، فإنها سوف تذهب إلى:
- تصعيد في كل منطقة الجنوب اللبناني عبر حملة جوية مكثفة.
- محاولة القيام بعمليات اغتيال ضد قادة من المقاومة.
- إستخدام قوة مفرطة وبذخائر غير مسبوقة.
وهذا سيكون بهدف الذهاب إلى حرب محدودة جداً يحاول من خلالها نتنياهو التالي:
أولاً - الخروج من أزمته الداخلية والذهاب إلى صفقات شاملة تُعفيه من سقوط حكومته.
ثانياً - الذهاب لصفقة مع حزب الله تُعيد الهدوء لفترة طويلة وتؤدي لعودة المستوطنين في الشمال إلى مستوطناتهم.
ثالثاً - الذهاب إلى صفقة في غزة تؤدي إلى إنهاء الحرب وصفقة تبادل للأسرى.
رابعاً - بعد ذلك سيذهب نتنياهو لانتخابات مبكرة في محاولة منه لجني ثمار الصفقات وعودة الهدوء.
معضلة نتنياهو أنَّ الأمور والوقائع مختلفة كلياً عما سبق، وأن ما قام فيه جيشه ودولته من إجرام في قطاع غزة يجب أن يدفع ثمنه، وهذا الثمن ليس أقل من رؤية سياسية تؤدي لرسم خارطة جديدة في المنطقة كلها أساسها السيادة لشعوبها وليس للمستعمرة الأميركية، أي انتهاء نظرة الاستكبار والاستعلاء بحيث يحصل الشعب الفلسطيني على حقه في الحرية والإستقلال، وأيضاً تأسيس واقع جديد في لبنان والجولان وسوريا.
"أنظروا إلى الميدان"؛ هذا ما قاله سماحة السيد حسن نصر الله، هو صاحب الكلمة الفصل، وهو الذي سيقرر كل المشهد، نعم من سيقرر ليس الخطط "الأميركية" ولا الـ"تريكات" والخدع السياسية للسيد نتنياهو، فقط هو "الميدان" حيث هناك "المقاوم" حافي القدمين ولابس "الزنوبة - الشبشب"، وذاك المختفي بين أشجار وتضاريس الجنوب اللبناني، فمن النكسة إلى الوكسة سنرى ليلاً مُلتهباً، ومن أسلوب رقصة التانغو ألإسرائيلية إلى رقصة "الدحية" لمحور كامل.
ليست بعيدة، قولوا يا الله...
التعليقات