لقد بدا المشهد في اليوم الثاني والأخير لاجتماعات قمة مجموعة السبع في إيطاليا كلقاء عائلي، إذ تم تبريك المستشار الألماني أولاف شولتس بمناسبة عيد ميلاده، وكانت الأجواء لطیفة.
لم يكن ذلك محض صدفة. فقبل أسبوع واحد فقط، بعثت نتائج الانتخابات البرلمان الأوروبية رسالة واضحة إلى العالم الغربي، مفادها أنَّ هذا الاجتماع في منتجع بورغو ايغنازيا الفاخر في ريف بوليا ووسط بساتين الزيتون، سيكون ربما الأخیر من هذا النوع. وان زعماء أسرة مجموعة السبع سیختلفون في المستقبل. بل وربما سیختلفون کثیراً عما هم علیە الآن. إذ أنَّ انتخاب جاستن ترودو الكندي وشولتس الألماني وجو بايدن الأميركي مشكوك فيه إلى درجة كبيرة ــ من وجهة نظر اليوم!
کانت إحدى الخطوات المهمة لهذه القمة، التي كانت تهدف إلى وضع حلول لقضايا سياسية ملحة، هي وضع حزمة مساعدات قوية لأوكرانيا بكلفة 50 مليار دولار، والتي ينبغي لها أيضاً أن تنجو من أي تغيير محتمل للحكومة على الأقل في واشنطن، وليس من الضروري للبرلمانات المعنية الموافقة عليها.
فلحد الآن، من الصعب الحديث عن السلام في أوروبا، أو بالأحرى عما يُطلق عليه السلام بالمفهوم الروسي أو اتباعه ومعجبيه من المتطرفين والشعبويين، نحو استسلام أوكرانيا لمطالب روسيا البوتينة. لا شك في أن شيئاً من هذا القبيل لا يمثل إلا اغتراباً صادماً للقوانين الدولية ونسياناً للتاريخ. لذا، من الأهمية بمكان أن تفشل محاولة فلاديمير بوتين الرامية للاستيلاء على أراضي دولة أخرى، بل من الضروري أن يتم تعزيز مبدأ حرمة الأراضي، وهو أمر مهم للغاية بالنسبة إلى كل المعاهدات والقوانين الدولية. وبالمناسبة، نفس الموضوع يتعلق بالصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. وما يخشاه المرء بحق، هو أن يزيد نصر محتمل لبوتين حدوث غزوات جديدة لمعتدين مفترضين. فالصين هي الاخری مرشحة ساخنة لتقوم بغزو تايوان خلال السنوات المقبلة.
كما ذكرنا، کانت لانتخابات البرلمان الأوروبي نتائج واضحة تکمن في خيبة أمل الكثيرين من الوسط وفرح آخرین من المتطرفين. لقد أصبح الاتحاد الأوروبي بعد الانتخابات أكثر اضطراباً من الناحية السياسية، لأنَّ المتطرفین والفاشیین في عدد غير قليل من الدول الأوروبية ظهروا أقوى من السنوات الأربعين الماضية. ففي فرنسا، یمتلك الحزب اليمين ضعف عدد الأصوات التي يتمتع بها حزب الرئيس إيمانويل ماكرون الحاكم. تنجرف البلاد هناك بشدة نحو اليمين. وفي ألمانيا، احتفل حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) بنجاحات باهرة، خاصة في شرق البلاد. ما يلفت النظر في ألمانيا هو الموقف المتصلب والمتعنت لناخبي اليمين المتطرف. فبخلاف العادات السائدة في الانتخابات الغربية، لم تضرّ اليمين المتطرف فضائحه الكثيرة والعديدة أبداً. فالبعض منه، على سبيل المثال، يعمل بشكل أو بآخر لصالح روسيا أو يبث الدعاية للصين أو يوظف جواسيس صينيين. وحتى التقليل من شأن رعب قوات SS النازية أثناء الحرب الكونية الثانية من قبل ماكسيميليان كراه، أبرز المرشحين للحزب، والتي اعتبرتها مارين لوبين "تجاوز الخط الأحمر"، بل وأكثر من ذلك، فإنَّ إدانة بيورن هوكر، أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في المشهد اليميني، بنشر شعارات نازية، كل هذه الأمور لم تؤدّ إلى تراجع الناخبين عن انتخاب هذا التيار المتطرف. إنَّ القاعدة الانتخابية اليمينية غفرت للحزب كل شيء وليس من المستبعد أن تغفر له كل شيء في المستقبل أيضاً.
إقرأ أيضاً: الاستعلاء و الإشكالية في تفسير التاريخ
فيا ترى هل كان لقاء مجموعة السبع في إيطاليا توديعاً للعالم القديم المألوف؟ العالم الذي كان الدفاع فيه عن التعددية والليبرالية أمراً طبيعياً؟ العالم الذي كان احترام الاتفاقيات الدولية والأنظمة القانونية، على الأقل ما بين الدول، من قبل الأغلبية العظمى للعالم، واردة وطبيعية!
ربما ما يلفت الانتباه هي الكيفية التي حيت بها مضيفة القمة، جيورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية الشعبوية، الرئيس ماكرون. فهي كانت معززة بالنتائج الجيدة التي أحرزتها في الانتخابات الأوروبية التي ذكرناها، بخلاف ماكرون. ميلوني لم تظهر أثناء الاستقبال استلطافاً رقيقاً وعميقاً، بل ارتسمت ابتسامة قصيرة علی وجهها، من دون أن تزيل البرود عنها. وأغلب الظن أنها تعد الأيام لمعانقة آخرين من نظائرها الحقيقيين، من المتطرفين الشعبويين.
إقرأ أيضاً: حظوظ وعواقب فوز ترامب في الانتخابات القادمة
ما رأيناه ونراه في كل من بولندا والمجر عن سياسات الشعبوية اليمينية واضح للعيان. يعمل هذا التيار على تقويض مبدأ الفصل بين السلطات، ويحاول إضعاف المحكمة الدستورية عن طريق مؤيديه، وفي نفس الوقت يقيد التنوع الإعلامي. إذا، هو لیس بحاجة إلى إلغاء الديمقراطية، بل جعلها علی نحو ما، خاضعة لە.
مما لاشك فيه أن عالمنا اليوم، من خلال صعود التيار القومي الشعبوي في الغرب، مقبل على تحولات لن تكون في مصلحة قضايا عديدة خاصة في مجالات الأمن والأمان والحرية، في بقاع كثيرة من العالم.
التعليقات