سؤال يتبادر كثيرًا إلى الأذهان بعد كل ما جرى ويجري على الأرض منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، خصوصًا أن الخسائر البشرية وصلت إلى حدود لم يكن أحد يتصورها، سواء من حيث العدد أو الأسلوب أو الموقف. العالم بأسره يتفرج ولا يقوم إلا بعملية إحصاء أعداد الشهداء وتصنيفهم حسب الجنس والعمر والمهنة والمنطقة والعائلة، ويمارس الشجب والمناشدة ولا شيء أكثر.

فيما عدا قوى ودول محور المقاومة، لا يقوم أحد بأي شيء حقيقي على الإطلاق. بل إن العالم المنافق يتعامل مع القاتل الحقيقي، الولايات المتحدة، كوسيط. وقد وصل الأمر إلى حد موافقة العالم، بقرار رسمي مكتوب صادر عن أعلى هيئة أممية "مجلس الأمن"، على اعتبار الولايات المتحدة وسيطًا، ولم يعترض أحد على هذه الكذبة بشكل علني وواضح سوى روسيا.

ترى، هل هناك ما يشير إلى أنَّ الانتصار ممكن؟ للإجابة على هذا السؤال، لا بد من التحليل الاستراتيجي العلمي لنرى ما هو الممكن وما هو غير الممكن من خلال الإجابة على الأسئلة الأربعة الرئيسية:

مصادر القوة:
وجود محور المقاومة بدوله وقواه، الذي ظل موحدًا ومتماسكًا طوال شهور الحرب منذ السابع من أكتوبر، دون أن تتمكن الولايات المتحدة وعصابتها من اختراقه ولو بأقل صورة ممكنة.

التعادل السكاني بين الشعب الفلسطيني والصهاينة على أرض فلسطين.

قدرة الفلسطينيين على التحمل بسبب طول أمد الصراع.

عدم قدرة الاحتلال على الفصل التام بين الناس بسبب التشابه في الشكل واللباس، مما يجعل اكتشاف المقاومين قبل تنفيذ عملياتهم أمرًا مستحيلًا.

أعمال الاحتلال العنصرية وتضييق الخناق على الفلسطينيين، مما جعل كل فلسطيني مقاومًا فاعلًا أو مؤجلًا، ولكنه بالتأكيد جزء من حالة المقاومة.

سقوط نظريات السلام والمفاوضات بكل أنواعها وأشكالها.

وصول مشروع أوسلو إلى نهاياته وإعلان فشله من قبل الاحتلال أولًا.

قدرة الفلسطينيين على ابتكار أسلحة من أبسط المقتنيات، كالسكين والسيارة، بالإضافة إلى الأسلحة التي يحصلون عليها من مصادر غير متوقعة، بما في ذلك الجيش نفسه.

إيمان الفلسطينيين والعالم بعدالة القضية الوطنية الفلسطينية.

استعداد الفلسطينيين للتضحية بكل أشكالها.

تحول المقاتل الفلسطيني إلى صورة البطل والنموذج لدى الأجيال الشابة.

تحول دولة الاحتلال إلى صورة الدولة العنصرية والفاشية الأولى في العالم.

تعاظم الصراعات والانقسامات داخل دولة الاحتلال بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر).

سقوط نظرية الردع من يد جيش الاحتلال.

مكامن الضعف:
الانقسام الفلسطيني وغياب الوحدة الوطنية الفلسطينية الشاملة.

غياب برنامج وطني فلسطيني سياسي مقاوم واحد وموحد لكل الشعب وقواه.

وجود أطراف فلسطينية وعربية تعتبر أن حماس تتحمل مسؤولية المقتلة أكثر من دولة الاحتلال.

غياب جهة عربية أو إسلامية أو دولية قادرة أو راغبة في لجم الاحتلال ومنعه من مواصلة جريمته.

حجم وكارثية الخسائر التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة أولًا أو في الضفة الغربية.

صمت العرب والمسلمين عن الجرائم المرتكبة ضد المقدسات الإسلامية وخصوصًا المسجد الأقصى.

إصرار الدول العربية على مواصلة علاقتها بالاحتلال وسيده "الولايات المتحدة"، وعدم القيام بأي خطوة عملية ضده قد تغضب الولايات المتحدة.

تحول العرب والمسلمين إلى وسطاء بعد أن كانوا أصحاب القضية أو شركاء بها طوال عقود.

اقتصار الدعم والإسناد على دول وقوى محور المقاومة، وخصوصًا إيران التي تتعرض لشتى صنوف العقاب والحصار من أميركا وعصابتها، وكذلك هو الحال مع حزب الله واليمن وسوريا والعراق.

قبول العالم بالدور الأميركي ومواصلة التعاطي مع أميركا على أنها وسيط.

سعي البعض إلى شيطنة محور المقاومة ومحاولة العزف على أوتار الطائفية المقيتة والشريرة، وأحيانًا حتى على أوتار قومية مهترئة لا وجود لها إلا ضد إيران، ولا تظهر أبدًا أمام من يحتل فلسطين ويقتل شعبها، بل إن بعض الأصوات الملعونة تفضل المحتلين على إيران.

التهديدات:
مواصلة تمسك الولايات المتحدة بدور الحامي للاحتلال ومعها جميع العصابة وأذنابها.

استعداد بعض العرب حتى الآن للتطبيع والتمسك بذلك رغم كل ما جرى ويجري.

استعداد البعض للدخول في حلف أمني أميركي صهيوني عربي إسلامي في المنطقة.

استعداد البعض لأن يكونوا جزءًا من منظومة الحلول مكان الاحتلال لتنفيذ مشاريعه.

عدم معاقبة دولة الاحتلال على أيّ من جرائمها السابقة والحالية واللاحقة.

إمكانية وجود جهة فلسطينية تتعاطى مع المشاريع الأميركية الصهيونية على أرض قطاع غزة.

وصول الانقسامات داخل دولة الاحتلال إلى أقصى مدى بحيث يصبح إنهاؤها مستحيلًا.

الفرص الممكنة:
توسع محور المقاومة.

تأزم العلاقات الروسية الصينية مع أمريكا ووصولها حد الصدام.

خروج الهند من العباءة الأميركية وانحيازها إلى الجبهة الأخرى.

توسع الصراع في المنطقة إلى حرب مفتوحة تغير المعادلات والتحالفات في المنطقة، وقد تغير صورة المنطقة برمتها حين تصبح الولايات المتحدة نفسها مشاركة في حرب على فلسطين وبلدان المحور.

نجاح إيران في امتلاك النووي.

نجاح روسيا في حربها على أوكرانيا، وتحرك الصين إلى جانب القطب الروسي ومحور المقاومة لتشكيل جبهة مناهضة للمشاريع الأميركية.

من خلال مكونات التحليل الأربعة، نرى أن فرص الانتصار قائمة، حتى لو لم يكن الأمر آنيًا أو قريبًا. إلا أنَّ التطورات على الأرض تشير إلى أن المستقبل لم يعد مرهونًا بإرادة الولايات المتحدة وعصابتها.