الحقيقة التي أدارت بها القوى الغربية المنطقة العربية بنمر إيران الورقي في حقبتيه السابقتين والقائمة.. وأصبحت المشكلة تكمن في الضحية المستسلمة لمفترسها الورقي، قابلةً بوحشيته.

عندما تكون السلطة هي الغاية ويصبح الإدعاء إحدى الوسائل، ويُرفع شعار الدين وآل بيت النبي الكريم في غير محله، فكيف ستكون النتائج؟ خاصة إذا كان الرعاع والدهماء هم الوسائل لتحقيق هذه الغاية...

غمامة قاتمة محملة بالدم والمآسي والبؤس فُرضت على المنطقة منذ أن قسم "أبو ناجي" (اسم يكنى به البريطاني في الأدبيات العراقية) اللئيم المنطقة العربية ووزعها ضيعات وهبات لهذا وذاك، ورسم حدودها بهدف ضرب وحدة العرب والمسلمين، مستفيداً من الخلاف التاريخي بين الإمبراطوريتين الصفوية والعثمانية. وكانت الخلافة العثمانية المستهدف الأول في مخطط "أبو ناجي" وشركائه بسبب حقدهم التاريخي عليها. ومن يقرأ التاريخ بحياد ومن زواياه المختلفة ويخالط تلك الأمم التي كانت على احتكاك مع العثمانيين أو تحت سلطانهم، يكتشف حقيقة هذا الحقد ودوافع الغدر والتخريب والعبث الذي قام به "أبو ناجي"، وتبعه الغرب في ذلك بالمنطقة؛ وهذه خلاصة قراءتنا للحقبة التاريخية منذ سقوط الأندلس وسعيهم بعد ذلك لضرب ما تبقى من منغصاتهم. ولم يكن هناك من منغص لهم بقدر العثمانيين الذين مرغوا أنوفهم في التراب وجعلوا لهذه الأمة قدراً ووزناً بعد تهاوي العباسيين وهلاكهم.

خلاصة القول، لم نرَ نحن العرب سلاماً ولا استقراراً من النظامين الإيرانيين، سواءً الشاهنشاهي المخلوع أو نظام الظلام الحالي منذ أن سلطهما الغرب علينا. ولم يكن استخلاف الغرب للملالي الحاكمين في إيران اليوم بعد الشاه إلا لاستمرار مخططهم في المنطقة. فما أن انتهى تطاول طغاة الشاهنشاهية صنيعة روسيا وبريطانيا حتى أتى الملالي المتطاولون الجدد. ولو كنت مكان البريطانيين فلن أجد أفضل من هذه العمائم الموبوءة لخدمة مصالحي؛ وهذا هو حال دول وشعوب المنطقة.

منذ قدومها، انتهجت الشاهنشاهية المخلوعة في إيران منهجاً عدائياً تجاه العرب الذين قبلوا بذلك، سواءً بتخطيط من الإنجليز أو خوفاً ناتجاً عن سوء تقدير لهذا النمر الورقي الذي سرعان ما تهاوى بمجرد نمو التيار الوطني الإيراني بزعامة الزعيم الإيراني الكبير الدكتور محمد مصدق. ورغم تآمر الغرب على الزعيم مصدق، بقي تياره مستمراً ليطيح بعرش الدكتاتورية الشاهنشاهية في ثورة عام 1979 الوطنية، ويسقط معها المشروع الاستعماري الغربي التقليدي في إيران والمنطقة. ومع ذلك، لم تنتهِ مؤامرات الغرب ولم تتوقف محاولاته؛ فقد وجد ضالته في عمائم الملالي وسحرها على البسطاء. وهكذا، جيء بخميني من باريس على طائرة فرنسية ليكون إمبراطوراً جديداً يعيد النمر الورقي إلى مكانه، ويغذي الاختلاف القائم بين أبناء الأمة الواحدة ليتحول من اختلاف إلى صراع قبيح وعدوان تُصنع له المبررات وتُصدر له الفتاوى.. الفتاوى التي استباحت دماء الأحرار في إيران والعراق وفلسطين والأردن وسوريا واليمن، وأباحت المخدرات والفساد وطعنت بالقيم والمقدسات.

إقرأ أيضاً: شعبٌ في الجحيم

أكثر العرب فهماً وإدراكاً لمنظومة البغي والعدوان التي أوجدها الغرب في إيران بعد الدولة القاجارية هم العراقيون، الذين عانوا الأمرين من الشاهنشاهية صنيعة بريطانيا وروسيا، والملالي الذين فرضهم الغرب على الشعب الإيراني بالخداع والاحتيال بعد سرقة مكاسب الثورة الوطنية الإيرانية في ثورة فبراير 1979. لم تنتهِ جذوة الثورة إلى اليوم، وتتجدد طالما هناك أجيال من أولياء الدم المطالبين بحقوقهم الوطنية ودماء ذويهم وكرامتهم المهدورة في السجون وفي الحياة العامة.

المواجهة المباشرة مع المقاومة الإيرانية والشعب الإيراني وفهم معاناته مكن العراقيين من فهم جارهم اللئيم وحقيقة ما يجري بجوارهم وما سيجري. جعلهم يواجهون بالسلاح والدم تارة، وبالصبر والحكمة والدبلوماسية تارة أخرى، والتي نجمت عنها اتفاقية الجزائر. وكما يقولون: "آخر العلاج الكي"، فلم ولن يُفلح مع ملالي الظلام سوى الحديد والنار. ولولا حرب السنوات الثمان التي خاضها العراق ضد الملالي لكانت بلاد العرب اليوم مجرد ولايات من عصر الجاهلية تابعة للإمبراطور الفقيه في طهران؛ ولايات ترى خيراتها وتستمتع بمعاناتها فقط لإرضاء الإمبراطور الفقيه.

إقرأ أيضاً: نوايا ملالي إيران.. الحقيقة التي يتجاهلها العرب

بعد احتلال العراق عام 2003 وهدم الدولة فيه، لم يعد هناك من يصد ويدافع عن الأمة، خاصة بعد افتضاح نوايا وادعاءات الملالي وسقوط شعاراتهم. ومع ذلك، لم يكف أبناء العراق الأحرار عن تنبيه أمتهم بحجم مخاطر مخططات الملالي المحدقة بها. لقد أسمعوا من لم يسمعهم، فكان فقدان سوريا ولبنان واليمن وزوال غزة والتوجه نحو إعادة تكوين وصياغة جديدة لمعادلة القضية الفلسطينية.. ناهيكم عن غرق المنطقة بالمخدرات والسلاح والفكر المتطرف والفساد، وهدم الحقائق والمساس بالمقدسات وتعميم فكر وثقافة العداء والكراهية في المنطقة خدمةً لمصالح أعدائها.

نعم، ملالي إيران نمر هزيل من ورق، ولكنه ليس بمخالب من فولاذ. فمتى كانت مخالب الجهلة والدهماء والمتردية والنطيحة من فولاذ؟ وعلى الرغم من كونه نمراً هزيلاً من ورق، بمخالب من طحالب، فقد تعاظم علينا أو جعلناه يتعاظم علينا حتى بات تحدياً مقلقاً لنا جميعاً ويهدد وجودنا. وتتساقط حُبيبات المسبحة واحدة تلو الأخرى، ولن يوقف سقوط حُبيبات المسبحة إلا تدارك الموقف وتفويت الفرص على المروضين، وإسقاط صنم الملالي وكنس مدرستهم.. ولا خيار آخر ولا حل.