مرة بعد مرة، يؤكد النظام الإيراني عزمه على المضي قدمًا في آيديولوجياته القديمة والعقيمة.

إنه لا يقدم أي نموذج للدولة المدنية الحديثة الناجحة القادرة على خلق حياة كريمة للأمة.

لذا، فهو غير مبالٍ بانهيار قيمة العملة الوطنية، وارتفاع مستويات البطالة والفقر والجريمة، وتدني مستويات الخدمات الحكومية المقدمة للمواطن العادي، إضافة إلى القمع والقهر السياسي، وإحكام القبضة البوليسية على جميع شؤون الحياة.

أما في عالم العلاقات الدولية المتغيرة والمتطورة باستمرار تبعًا لتغير وتطور المصالح بين الشرق والغرب، فإن إيران تواجه تحديات متعددة ومتجددة. ففي مجال الدبلوماسية والتعاملات الدولية، لا تزال النظرة والمقاربة الإيرانية الإستراتيجية تراوح مكانها دون تغيير جذري يُذكر، في حين يحبس العالم أنفاسه ترقبًا لرد عسكري إيراني مرتقب ضد إسرائيل.

حقيقةً، مثل هذه الأنظمة لا يمكن أن تستمر دون وجود أعداء دائمين، لذلك ينصب جل اهتمامها على ضمان وجود مثل هؤلاء الأعداء من أجل بقائها واستمرارها وصنع عظمتها المتوهمة.

ولعله من سخرية القدر أن يُسخّر النظام الإيراني كل طاقاته ومقدراته من أجل مصارعة طواحين الهواء العملاقة، في تماهٍ عجيب وغريب مع رواية الدون كيخوته، الذي أراد فجأة أن يصبح عظيمًا مثل الفرسان النبلاء في العصور القديمة. لكنه لم يجد أحدًا ليصارعه، فاتجه بدلًا من ذلك إلى مصارعة طواحين الهواء العملاقة التي يجدها في طريقه! هذه الطواحين العملاقة يعيد النظام الإيراني تدويرها في كل مرة ليحقق انتصاراته المتخيلة عليها، ويقدمها للأمة كإحدى المنجزات الكبرى التي تستحق التبجيل والتعظيم!

لذا، فقد بلغ الهوس بالدون كيخوته في الرواية إلى الحد الذي قرر فيه استعادة أمجاد أولئك الفرسان، وقام بمحاكاة سيرهم في نشر العدل ومساعدة المستضعفين. ومن سخرية القدر مرة أخرى، أن هذا هو نفس الشعار الذي لا تنفك الآلة الدعائية للنظام الإيراني في ترديده منذ أكثر من أربعين عامًا!

إقرأ أيضاً: قانون سكسونيا الإيراني!

يقول الدون كيخوته: "لقد وُلدت في هذا العصر الحديدي لكي أبعث العصرَ الذهبي!".

ولذلك، فقد أعدّ عدته للقيام بهذه المهمة العظيمة. فقام أولًا باستخراج سلاح قديم متهالك خلّفه له أجداده الغابرون، فأصلح فيه ما استطاع، ثم لبس درعًا وخوذة، وحمل معه سيفًا ورمحًا، وامتطى صهوة جواد أعجف هزيل، واتجه نحو الطواحين الهوائية العملاقة لمصارعتها!

ختامًا، تظل الرواية العالمية للأديب الإسباني ميغيل دي ثيربانتس موقعة بقصة أحمق ظن نفسه في مهمة مقدسة.