ماذا يعني وصول جماعة إسلامية متطرفة إلى الحكم؟ سؤال يحمل في طياته مخاطر عدة، من المشاهد التي نراها كل يوم داخل الأراضي السورية، التي أصبحت مأوى للتنظيمات المسلحة، بعد سقوط نظام بشار الأسد. وهو أمر بالغ الخطورة ينذر بعواقب وخيمة حال وصول الجماعات الإسلامية المتطرفة مرة أخرى إلى الحكم.
يبدو أن التطورات الأخيرة في سوريا تؤكد ما يقلق مصر، ورغم تكرار الإدارة الجديدة في سوريا أنها لن تسمح بتهديد أمن الدول العربية، ودعوتها لإقامة علاقات جديدة مع محيطها العربي، فإن الوقائع على الأرض تتناقض مع ما يحاول حكام دمشق الجدد تسويقه في دعايتهم.
ما دعا إليه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال اجتماع الرياض الأخير، من أهمية تعاون كافة الأطراف الإقليمية والدولية في مكافحة الإرهاب، ومنع إيواء أي عناصر إرهابية على الأراضي السورية بما قد يمثل تهديدًا أو استفزازًا لأي من دول المنطقة، إلى جانب تكاتف المجتمع الدولي للحيلولة دون أن تكون سوريا مصدرًا لتهديد الاستقرار في المنطقة أو مركزًا للجماعات الإرهابية، يؤكد المخاوف المشروعة من عودة التنظيمات المتطرفة إلى الحكم.
وجاءت دعوة عبد العاطي في الوقت الذي دعا فيه أحد الإرهابيين المصريين المنتمين لتنظيم الإخوان إلى عمل مسلح من أجل تغيير نظام الحكم، وذلك في مقطع مصور من داخل دمشق. وهو أمر بالغ الخطورة يناقض ما قالته السلطة الجديدة في سوريا بزعامة أحمد الشرع، المعروف بأبي محمد الجولاني، التي سارعت بإطلاق تصريحات بأنها اعتقلت الإرهابي المصري أحمد المنصور.
من المؤكد أن مصر تشعر بأن الاضطرابات في سوريا قد تساعد المتطرفين وجماعة الإخوان وأذرعها المسلحة على إعادة تنظيم صفوفها واستهداف أمنها. والأخطر من مقطع الفيديو هو خروج بيان من المجموعة التي شكلها المنصور، وتدعى "حركة ثوار 25 يناير"، تزعم أن المنصور اعتقل عقب تلقيه دعوة من الأمن العام لمقابلة وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة.
وبالبحث في ملفات الإرهابي أحمد المنصور، نجد أنه شارك في أعمال مسلحة في جبهات سورية تحت قيادة أبو قصرة في هيئة تحرير الشام. وهو ما يشير إلى درجة كبيرة من التواصل مع قادة كبار في الهيئة التي تسيطر على السلطة في دمشق.
استطاع الإرهابي أحمد المنصور أن يهرب من مصر عقب الإطاحة بحكم جماعة الإخوان الإرهابية في مصر بفضل ثورة شعبية هي الأكبر في تاريخ الدولة المصرية والعالم العربي، اندلعت في 30 حزيران (يونيو) 2013، دعمها وساندها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع في تلك الفترة، إلى جانب القوات المسلحة والشرطة المصرية، وجنّبوا مصر ودول المنطقة ويلات التطرف والإرهاب.
وانضم الإرهابي أحمد المنصور إلى "جبهة النصرة" التي أصبحت تعرف لاحقًا بـ"هيئة تحرير الشام".
إقرأ أيضاً: قمع الأسيرات الفلسطينيات
وقبل أسبوعين، خرج عبد الرحمن القرضاوي، نجل الزعيم الروحي للإخوان المسلمين يوسف القرضاوي، في مقطع فيديو من مسجد الأمويين بدمشق، متوعدًا بأن يتكرر في مصر ما حدث في سوريا.
وأثار ظهور محمود فتحي، الإرهابي المحكوم عليه بالإعدام في مصر في قضية اغتيال النائب العام الراحل هشام بركات، جدلًا كبيرًا بعدما تداولت صورته إلى جانب الشرع، قائد الإدارة السياسية الجديدة وزعيم هيئة تحرير الشام. ولا يمكن للقاهرة غض الطرف عن هذه الإشارات المتتالية التي تفصح عن وجود علاقات وثيقة بين الجماعات المسلحة في سوريا وتنظيم الإخوان المصنف إرهابيًا في مصر وعدد من الدول العربية.
أما الخطوة الأكثر إثارة للجدل، فكانت قرار الإدارة الجديدة في سوريا تعيين مقاتلين أجانب وعرب ضمن الجيش السوري، من بينهم الجهادي المصري المطلوب للقضاء علاء محمد عبد الباقي، برتبة عقيد.
وأثارت هذه التعيينات تساؤلات حول توجهات الإدارة الجديدة، خاصة في ظل مخاوف دولية من تأثير وجود مقاتلين أجانب وعرب في الجيش على استقرار المنطقة.
إقرأ أيضاً: أين الحكومة من معاناة سكان غزة؟
وصول جماعة متطرفة مسلحة إلى السلطة في سوريا يمكن أن يعطي نموذجًا للجماعات المتطرفة التي تسعى إلى السلطة في بلدان أخرى، وفي مقدمتها الإخوان المسلمون. كما أن الانفتاح الغربي السريع على السلطة الجديدة يشجع الجماعات الإرهابية التي ستحظى بالقبول الدولي بـ"مجرد تمكنها من السيطرة على الحكم".
ولم تتوقف الطائرات الغربية عن الهبوط في دمشق، حيث التقى وزراء أوروبيون ومبعوثة أميركية قائد الإدارة الجديدة، وقدموا تعهدات برفع العقوبات التي كانت مفروضة على سوريا في عهد بشار الأسد. ويمكن فهم الانفتاح الغربي في سياق رغبة أوروبا في إنهاء ملف الهجرة غير الشرعية وعودة اللاجئين السوريين في أوروبا، الذين يقدر عددهم بالملايين، إلى بلادهم. لكن عدم وجود ضمانات بتغيير حقيقي في النهج المتطرف قد يعيد سوريا إلى جولة جديدة من الصراع الطائفي والعرقي، ومعه تعود قوارب اللاجئين مجددًا إلى الشواطئ الأوروبية.
ولن تستطيع أوروبا أيضًا استيعاب أضعاف هذه الأعداد إذا ما انتقلت الفوضى المسلحة إلى دول أخرى بالإقليم نتيجة استلهام العمل المسلح للجماعات المتطرفة في بلدان أخرى جنوب البحر المتوسط. وما يثير القلق هو أنه على مدار الشهر الأول لهيئة تحرير الشام في السلطة، وقعت العديد من الانتهاكات ضد الأقليات الدينية والعرقية.
إقرأ أيضاً: لهذه الأسباب طويت صفحة حماس
وتعكس الاحتجاجات المسيحية في دمشق خلال فترة عيد الميلاد القلق العميق لدى السكان المسيحيين بشأن مستقبلهم، خاصة بعد أن تقلصت أعدادهم بشكل كبير خلال سنوات الحرب. هذه المخاوف تمتد لتشمل مجموعات أخرى مثل العلويين الذين يواجهون محاولات مصادرة ممتلكاتهم في اللاذقية، والإيزيديين الذين يخشون تكرار ما حدث لهم في العراق، والدروز الذين يشعرون بالقلق أيضًا.
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان 51 جريمة قتل مؤخرًا، استهدفت غالبيتها الطائفة العلوية، إضافة إلى الهجمات على المقامات الدينية، مثل مقام الشيخ أبو عبد الله الخصيبي في حلب. وشهدت مناطق مثل الشهباء خارج حلب استهدافات مباشرة للأقليات، بما في ذلك الأكراد والإيزيديين. وينذر الوضع الحالي بموجة لجوء جديدة للأقليات الدينية التي لا تزال تبحث عن ملاذ آمن.
التعليقات