مرة أخرى، يوجّه مسرور بارزاني، رئيس حكومة إقليم كوردستان، رسالة واضحة وصريحة إلى الحكومة الاتحادية تخص المشاكل العالقة والمتراكمة بين الطرفين. ومن المعلوم أنَّ هذه ليست المرة الأولى التي يبادر فيها رئيس حكومة إقليم كوردستان بتوجيه هكذا رسائل إلى السلطات في بغداد، مبيناً فيها الجور والغبن اللذين تمارسهما الحكومة الاتحادية تجاه الإقليم وحقوق شعبه المشروعة، لا سيما مستحقاته المالية في الموازنة الاتحادية، وبالأخص ما يتعلق برواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام، التي تمتنع الحكومة الاتحادية عن إرسالها كحقوق مشروعة وثابتة وفقاً للدستور.
فقد سبق أن ناشد ووجه مسرور بارزاني مرات عديدة الحكومة الاتحادية لإطلاق الحقوق المشروعة لمواطني إقليم كوردستان، إلا أنَّ الأخيرة دأبت، بل اعتادت، على أن تتنصل وتتراجع عن إعطاء هذه الحقوق لمواطني كوردستان الذين هم جزء من النسيج والمكون الأساسي للشعب العراقي.
ولم يكتفِ مسرور بارزاني بتوجيه رسالة أو خطاب، بل طالب في دعواته المستمرة بحقوق شعب كوردستان. أثناء انعقاد الاجتماع الموسع الثنائي بين المجلسين الاقتصادي للحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي - وكنت من ضمن المجتمعين - خاطب البارزاني الحضور ووجه لهم مباشرة كلمة تاريخية قائلاً لهم: "نحن كنا ننتظر ونتمنى من العراق أن ينافس الآخرين في العالم حول مدى قدرته على الوصول إلى الفضاء الخارجي وإلى كوكب المريخ، لكن مع الأسف الشديد نرى أنكم مجتمعون وكل همكم فقط قطع رواتب الموظفين في الإقليم والتي هي قوت أرزاقهم وعيشهم".
نعم، خاطبهم بكل صراحة ووضوح دون شائبة أو مفردات مجازية. المغزى الرئيس من رسالة مسرور بارزاني هو بالتأكيد تصحيح مسار هذه العلاقة التي شهدت عقبات وصعوبات بل منعطفات كثيرة بين الطرفين، مبيناً أن هناك دستوراً واضحاً يجب الاحتكام إليه، والالتزام به، واحترام كيان إقليم كوردستان.
أكد رئيس حكومة إقليم كوردستان أنَّ بغداد غالباً ما تلجأ إلى المحكمة الاتحادية، باعتبار أنّ قرار المحكمة الاتحادية أقوى من اتخاذ بعض الخطوات تجاه إقليم كوردستان، لكننا لاحظنا أنّ التعامل مع المحكمة الاتحادية ينطوي على المزاجية. فعندما كان ذلك يصب في مصلحتهم، فإنهم يلجؤون إليه دائماً، لكنهم تجاهلوا أحكامها عندما صبت في صالح شعب كوردستان وحقوقه ومستحقاته المالية.
القضية لا تقتصر على المستحقات المالية فحسب، بل تشمل قضايا أخرى كالمادة 140 من الدستور، والمناطق المستقطعة من الإقليم، وحقوق البيشمركة، وتعويض ذوي ضحايا الأنفال وحلبجة وضحايا النظام السابق، وتعويض 4500 قرية مدمرة في كوردستان. نصّ الدستور بوضوح على هذه التعويضات، إذ لا يمكن حصر كل مشاكلنا ومطالبنا بمسألة الرواتب، والتي للأسف استطاعت بغداد أن تحجّم مشاكلنا فيها وأشغلتنا بمسألة عما إذا كانت الرواتب الشهرية لشعب كوردستان ستصرف أم لا.
تحجيم إقليم كوردستان من قبل الحكومة الاتحادية والتعامل معه بهذا الأسلوب دون اعتباره كياناً فيدرالياً له كافة الحقوق القانونية والدستورية الموجودة، هو مخالفة لبنود الدستور نفسه.
النقطة الجوهرية والرئيسية في رسالة رئيس وزراء حكومة الإقليم، والتي تعدّ "بيت القصيد"، كما يُقال، هي موضوع انبثاق الوحدة والتكاتف وإجماع الكورد إزاء القضايا المصيرية المتعلقة بمستقبل ومصير شعب كوردستان. أكد أنه باتحاد وتكاتف الكورد في هذه المواقف، ستدرك بغداد أنّ كوردستان جادة في التمسك والإصرار على حقوقها، ولن يكون بإمكانها تجاهل شعب كوردستان وتهميش مطالبه.
لذلك، يجب ألا نقع تحت تأثير سياسة خاطئة تهدف إلى تحجيم إقليم كوردستان وانتهاك حقوق شعبه. للأسف، فإنّ سلوك بغداد الحالي مع إقليم كوردستان لا يرقى لمعاملة فيدرالية ولا لكيان اتحادي.
وضع مسرور بارزاني دائمًا المصالح طويلة الأمد لشعب كوردستان في الاعتبار وفي أولوية جدول أعمال كابينته الحكومية. فهو يعرف كيف يتعامل مع الصراعات والأزمات ويعرف أيضاً كيفية احتوائها والسيطرة عليها. دافع عن كرامة إقليم كوردستان وشعبه الصامد في كل المفاوضات والاتفاقات، ولم يتنازل أبداً عن حقوقه المشروعة قيد أنملة.
يبدو أنَّ صورة وفحوى رسالة البارزاني هذه المرة أكثر وضوحاً وجدية، وأن وفد الإقليم الذي سيزور بغداد خلال الأيام المقبلة ويواصل مباحثاته مع السلطات هناك ليس بحاجة إلى الرجوع لقيادات الإقليم فيما يجب أن يتخذوه من قرارات إزاء هذا الوضع، إذ لديهم الصلاحية الكاملة فيما يقررون ويوجهونه للمقابل، على حد تعبير الناطق الرسمي للحكومة.
التعليقات