منذ أقل من سبعة عقود بقليل، وما سُمّي بوثيقة إعلان الاستقلال، ونحن نحتفل بذكرى الوثيقة ونبتعد يومًا فيوم عن الفكرة الكاذبة التي يدرك الكل الفلسطيني أنها كذبة، ويهمسون بذلك. في العلن، يواصلون التشدق والتحليل وإعلان التمسك بالثوابت، التي تُعتبر كذبة الدولة أهمها. ولم يجرؤ أحد من القوى الفلسطينية أن يعلن إدراكه ومعرفته أن ما يطالب به هو كذبة، وأن ما يقوم به يبعد أي فرصة لتحويل الكذب إلى ممكن وليس العكس.
تمامًا ككذبة الدولة، يعيش الشعب الفلسطيني هذه الأيام كذبة الصفقة، ووقف الحرب، وتبادل الأسرى. يجهد الكُتّاب والباحثون والمحللون، وحتى عامة الناس، أنفسهم بالحديث عنها. بات الحديث عن المقتلة من ترف الأمور، فالكل منخرط بالحديث والتحليل ومناقشة مقترحات لا يوجد منها مقترح واحد حقيقي، إذ إن المفاوضات تجري خلف أبواب محكمة الإغلاق. فمن أين يأتي أولئك بأوراقهم التي يوزعونها دون ذكر المصدر؟
إقرأ أيضاً: أبكيت غزة يا جنين
هل يمكن إحضار دولة الاحتلال إلى صفقة يكون الطرف الثاني فيها المقاومة الفلسطينية؟ وإذا كان ذلك ممكنًا، فما هو موقف حكومة العصابة بزعامة بنيامين نتنياهو مما أعلنته عن أهداف حربها على غزة؟ ذلك أنَّ التوقيع على اتفاقية مع حركة حماس تحديدًا يعني إعلان الهزيمة الرسمية لحكومة الاحتلال وجيشها، ومعها الولايات المتحدة الأميركية.
هل يمكن إحضار حماس إلى صفقة لا يكون شرطها الأول الوقف التام للحرب، وتبادل الأسرى، ورفع الحصار عن غزة؟ وإذا فعلت ذلك، ستكون كمن يمنح عدوه أداة قتله والتخلص منه كليًا، وهو ما لا يمكن لحماس والمقاومة أن تذهب إليه بأي حال من الأحوال. فإذا كان لا بد من الموت، فليكن بشرف وفي ميدان القتال بحرب استنزاف لا نهاية لها، قد تنهك دولة الاحتلال وجيشها وتضعف مكانتها الدولية. وقد تتدحرج الأمور إلى حد البدء بفرض عقوبات، والانتقال من الصمت إلى الاحتجاج إلى الفعل على الأرض.
إقرأ أيضاً: أيها الصامتون انتظروا دوركم
خيارات الصفقة الممكنة اليوم يملكها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي يستطيع أن يتدخل بالقوة العسكرية لفرض حال جديد على الأرض، تصبح الولايات المتحدة طرفًا فيه، ولو بمشاركة عربية أو غيرها. وهو ما قد يورطه ويورط الولايات المتحدة بحرب عصابات تُعيد إلى أذهان الأميركيين فيتنام وكابوسها. أو أن يذهب لمنح الاحتلال الحق في الضفة الغربية باعتبارها يهودا والسامرة، ويؤسس لدولة فلسطينية مسخ في قطاع غزة، وهو ما تسعى إليه دولة الاحتلال منذ أن وقّعت على اتفاق أوسلو.
هذا يعني فتح النار على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية بلا حدود، ويعني وقف الحرب على غزة وإعلانها على الضفة الغربية. وإذا لم تظهر تحالفات ضغط جديدة، ولم تتحرك قوى إقليمية ودولية لكبح جماح الولايات المتحدة وقاتلها المأجور، دولة الاحتلال، فإن الحرب لن تضع أوزارها على المدى المنظور.
إقرأ أيضاً: هل لا يزال الانتصار ممكنًا؟
لا خيار اليوم أمام المقاومة إلا الصمود وإدارة حرب استنزاف طويلة الأمد وتوسيع دائرتها بما يمكن، حتى تتمكن من تغيير واقع الحال إلى حال أفضل. فلا يجوز للشعب الفلسطيني أبدًا الانتقال إلى موقع المهزوم، لأنها ستكون الهزيمة الأخيرة. وبالتالي، فإن خيار المقاومة هو الخيار الوحيد لمن يريد للقضية الفلسطينية أن تبقى حية، رغم أن هذا مرهون أيضًا بتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية على قاعدة برنامج سياسي كفاحي واحد وموحد لكل الشعب وقواه.
رغم ذلك، فإن واقع الحال يقول إننا بتنا نقترب من مغادرة هذه الرؤية وإعدامها.
التعليقات