يمارس العراق جميع الأدوار السياسية المطلوبة لتقريب وجهات النظر بين البلدان المجاورة لسوريا أو التي كان لها دور رئيسي فيما يجري على الأرض السورية. وبالرغم من الجهود الدولية والعربية والإسلامية المبذولة لدرء الصراع ومنع اتساعه ليشمل المنطقة، إلا أنَّ بوادر الاتساع وصوت الصراع ما زالا أعلى من صوت التهدئة. فاللاعب الإقليمي لا يزال يسعى لفرض سيطرته على الأوضاع في سوريا وفرض هيمنته على المدن والمحافظات فيها.
تركيا، على سبيل المثال، تقف خلف "هيئة تحرير الشام" التي يتزعمها أبو محمد الجولاني، المطلوب للقضاء العراقي والمحكوم عليه بالإعدام غيابياً. وبالرغم من ذلك، خصصت الولايات المتحدة مكافأة بقيمة 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، وهو ما يغير قواعد اللعبة بالنسبة إلى واشنطن ويجعل الجولاني حليفاً استراتيجياً لها خلال الحقبة القادمة.
تركيا تُعد اللاعب الرئيسي في محاولة إسقاط نظام الأسد، خاصة بعد قطيعة بينها وبين سوريا على خلفية أزمة النازحين التي أثقلت كاهلها، حيث يصل عددهم إلى أكثر من مليوني نازح. رفض الأسد التباحث مع أنقرة ما لم يتم انسحاب القوات التركية التي تسيطر على أجزاء كبيرة من سوريا، مما أدى إلى توتر العلاقات بين الجانبين. هذا دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى فتح قنوات الحوار مع المسلحين ودعمهم كورقة ضغط على الأسد لإجباره على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
أما الروس، فقد أثار موقفهم الصمت أمام اندفاع المسلحين وانسحاب الجيش السوري دون مقاومة، مما أتاح للمسلحين فرصة الاقتراب من دمشق. وبحسب تقارير، لم يكن الهدف من هذا التحرك إسقاط دمشق، بل استخدامه كورقة ضغط لإجبار الأسد على الحوار مع الأتراك لحل ملف النازحين الذي أرهق تركيا اقتصادياً واجتماعياً.
من جهة أخرى، لعب الإسرائيليون دوراً مهماً في مساعدة المسلحين على التقدم نحو دمشق. وعقب سقوط الأخيرة، سارعوا للسيطرة على جنوب سوريا وبناء قواعد عسكرية، ما تجلى بعقد اجتماع لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الجيش الإسرائيلي في جبل الشيخ. الهدف من هذه التحركات كان قطع الإمدادات بين إيران وجنوب لبنان، ولا سيما حزب الله.
إقرأ أيضاً: سقوط الأسد والتأثير العكسي على خارطة المنطقة
كما أن الأوكرانيين قدموا دعماً عسكرياً ولوجستياً لهيئة تحرير الشام، بما في ذلك الطائرات المسيّرة وتدريب المسلحين. هدف هذا الدعم كان فتح جبهة جديدة في سوريا لتخفيف الضغط الروسي عن أوكرانيا، ولكن الروس نجحوا في قراءة الموقف بدقة وتجنبوا الدخول في مواجهة مباشرة مع المسلحين في سوريا.
اللاعب الأميركي، من جهته، يسعى إلى إعادة تشكيل خارطة جديدة للشرق الأوسط، وقد سلّم ملف سوريا كاملاً للإسرائيليين لتصميم هذه الخارطة وفق مصالحهم وحماية أمنهم. هذا ما أعلنه نتنياهو في خطابه أمام الأمم المتحدة، حيث عرض رؤية لمشهد الشرق الأوسط الجديد التي تسعى إسرائيل وواشنطن لتنفيذها.
إقرأ أيضاً: تقسيم العراق.. مديات التقسيم واللاعبون الأساسيون
يبقى العراق حاضراً في المشهد كطرف يرفض الإملاءات الخارجية، وهو ما ظهر جلياً في زيارة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف. رفضت المرجعية هذه الإملاءات وعدّتها تدخلاً في الشأن العراقي يمس سيادته وقراره، وأعلنت بكل وضوح أنَّ القرار العراقي يُصنع في العراق.
التعليقات