اقرأ أيها العربي، هذا عرشك ومملكتك. كنت سلطاناً عليها؛ بل ملكاً.
لروحك السلام والراحة بعد القراءة.
قبل أن تجلس عليه، تذكر فقط أنك أنت العربي المجيد، حفيد الإمبراطوريات، ابن حضارتها، ووريث علمائها.
إن الحالة التي تعيشها الآن هي حالة غير مسبوقة لك من قبل.
عليك أن تستذكر، إن فقدت الذاكرة، وأن تسأل نفسك عن تراجعك، تسأل بكل الموجودات حولك، ما لك منها، وما قدمت لها.
فالسؤال انعدم بداخلك.
تركت العقول وطاردت القشور، وظللت في حيرة من أمرك.
العرب الذين دائماً ينتظرون سفينة النجاة، وينظرون لغيرهم على أنهم قوارب إنقاذ، بالأمس فقط كانوا صناع القوارب وقادة السفن والبواخر.
الطريق أمامك، لعلك تشتاق لماضيك، أو تشعر بما فقدته، وسُلب منك.
وأنت تسير لا تلتفت لهذا وذاك، واصل سيرك حتى تبصر النور، ولا تلتفت لما حولك، فكلهم مُلقَّنون وبالمنظومات التلقينية يسيرون.
فقط كن أنت القائد، مبرمجاً لذاتك وتصرفاتك.
الطبيعة لن ترحمك يا سيدي، ميتافيزيقية ستلاحقك، وأنت تحاول الهروب لن تجد بوصلة تدلك، لأنك مزقت خارطتك شر تمزيق.
فأينما يكون مكانك، يأتي زمانك، تدفع فيها أثمانك.
توقف الزمن على حسبانك من أحد منتجيه.
أنت الآن عالق أمام جدار ساعة عاطلة عن العمل.
بهذه النظرة ستركض من أجل سراب، لن يأتي بعده إلا الخراب.
فمتى لأمتك النائمة أن تستيقظ وتسأل كم لبثتُ؟
يحزنني حالك الآن، وصولك إلى هذا الحد هو فاجعة كبيرة للتاريخ، وأنت رسمت تاريخاً مشرفاً يوماً.
كنت شمعة للعلم والنور، أحرقت نفسها لتُنير العلوم.
أصبحت دمعة الحسرة والندم على ذلك النور.
فأيها السابقون واللاحقون والمعاصرون، منذ متى وأنتم تُحقَنون؛ تارة مسكنات وأخرى منومات.
فنام العقل، ونشف الفكر حتى مات جوعاً وعطشاً ومرضاً.
لا تهرب من ضعفك وترميه على غيرك، دائماً وأنت تتحجج بما حولك إذا تعثرت.
لتأخذ حكم البراءة دون معاناة، وكأنك البريء الذي بالفعل امتلك كل أسلحة البراءة والخلاص.
عقلك مسؤول، قاتل محترف، صاحب الجريمة، والمعاقب الوحيد.
لا أقول لك بأنك لا تستطيع أن تخطئ، اخطئ كثيراً ما دمت إنساناً، لكن تعلم واذكر دوماً أن خطأك مصدره أنت، أنت الوحيد المسؤول عن ارتكابه.
لا ترمِ فعلك على أحد، ولا تنسب خللك لشيء. هذا فكرك وأفكارك وعقلك واختيارك.
لا تجعل الظروف حولك شماعة تعلق عليها عللك وعقدك ونسيانك، وتجاهلك للحقيقة.
أنت صانع الظروف.
لابد للأقدار أن تتغير من جديد، لتحيا أنت من جديد، مع علومك وثقافتك وفنك مرة أخرى، مع فكرك وعملك وإنسانيتك.
كل شيء بكل شيء يحيا. أنت حضارة عظيمة بأكملها، أو كنت هكذا.
على رأس القلم دائماً، وفي الأسطر الأولى، والصفوف الأمامية، وعلى قائمة القائمين.
كنت تنام وبيدك الكتب، وتصحو على رائحة أوراقها.
ومن ذاك الوقت، جُمدت مكانتك. أصبح العالم كله متحركاً ومتجدداً حولك وأنت الوحيد الجامد فيه.
قدست العبودية، دنست الحرية، بل دعستها سحقاً تحت الأقدام.
ليعلو القدم، ويموت القسم، قسم الله بعلومه وعلمائه.
نعم، إنها العودة لتلك القرون، بأدوات مختلفة، وصور متعددة.
أنت المسؤول عن ذلك بتراجعك.
تخاف من المجهول؟ وأمامك العلوم!
أنتم، هؤلاء، كلكم جميعاً رسالة في الأرض. لا تخافوا ولا تتراجعوا، واسعَ أن تكون رسالتك رمزاً صالحاً.
التعليقات