يتضح من نشر إسرائيل خريطة مزعومة ترسم فيها حدود دولتها أنّها تسعى إلى توسيع رقعة "دولة إسرائيل"، ولا تكتفي بالأراضي الفلسطينية التي تم احتلالها عام 1948، وإنما ترغب في تمديد مساحة "الدولة" لتشمل فلسطين وأجزاء من الأردن ولبنان وسوريا.
هذا الزعم الإسرائيلي يدل على أنّ "صفقة القرن" والتطبيع مع الكيان المحتل بدأ يؤتي أكله، عندما جرّت أميركا الدول العربية إلى التطبيع مع إسرائيل. فهي على دراية كاملة بأهدافها الكامنة وراء هذا التطبيع، وقد وضعت خطة محكمة ودقيقة ترمي إلى تقوية وتثبيت ركائز "الدولة العبرية" في المنطقة. ولكن الدول العربية لم تنتبه جيداً إلى المخاطر والتهديدات التي تشكلها "الاتفاقية" مع إسرائيل التوسعية.
لقد وقّعت معظم الدول العربية اتفاقية (أبراهام) مع الكيان الإسرائيلي، والتي ترمي إلى التطبيع مع الكيان وتمتين العلاقات بينها في المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها، وبذلك بدأ التخلي عن القضية الفلسطينية، التي كانت يوماً "القضية الأولى" للدول العربية.
الهدف الرئيسي لأميركا والغرب من وراء الحرب على الشعب في غزة هو القضاء على حركة حماس وتهجير الفلسطينيين خارج وطنهم، إلى سيناء المصرية أو إلى دولة من الدول العربية المجاورة، لإنشاء دولتهم بعيداً عن أرض آبائهم وأجدادهم. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، عملت أميركا جاهدة على إنشاء حلف عربي يسير وفق سياستها في المنطقة، وذلك عبر توطيد العلاقات بين هذا الحلف والكيان الإسرائيلي وفق اتفاقية "أبراهام"، التي حاولت من خلالها نزع فتيل العداء التقليدي القديم بين العرب وإسرائيل. وقد نجحت أميركا والغرب في كسب ولاء الدول العربية وتأييدها، والغرض من ذلك هو تنفيذ خطة "صفقة القرن"، التي تهدف أساساً إلى طمس القضية الفلسطينية وطرق آخر مسمار في نعشها.
الصمت العربي حيال الحرب الشعواء على الشعب في غزة، التي أزهقت ولا تزال تُزهق آلاف الأرواح البريئة وتجرح الآلاف، أبان عن ضعف وهوان الدول العربية وعدم قدرتها حتى على إدخال المساعدات إلى القطاع، ما شجّع الكيان على التدخل العسكري في لبنان والبطش بسكانه وتدمير بيوتهم والبنية التحتية للبلد.
إقرأ أيضاً: تناحُر الأشقّاء في الضفّة الغربيّة
تنديد الأردن بالخريطة الإسرائيلية التي تداولتها الصحف والمواقع الاجتماعية لا جدوى منه، ما دامت الأردن على علاقة وطيدة مع الكيان الإسرائيلي وتفي بالتزامها بالاتفاقيات التي وقّعتها معه. وما دام جزء من غور الأردن في حيازة الكيان يستغل ثرواته، كان على الأردن ومصر التنصل من كل الاتفاقيات المبرمة مع الكيان الصهيوني، مادام أنّه لا يفي بها وبغيرها من القرارات والمواثيق الدولية.
لقد احتلت إسرائيل هضبة الجولان السورية عام 1967 وجزءاً من لبنان في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) عام 2024، ولم تفِ بالاتفاق القاضي بانسحابها إلى "الخط الأزرق".
إقرأ أيضاً: إسرائيل تخرق اتفاق وقف إطلاق النار
الأراضي التي تضمها الخريطة هي أراضٍ استولت عليها إسرائيل بالقوة، ولن تتنازل عنها إلا إذا راجعت الدول العربية نفسها، وقامت بتوحيد صفوفها وجمع كلمتها واتخاذ إجراءات ملموسة لمواجهة الأهداف التوسعية للإسرائيليين. فالاكتفاء بالتنديد والشجب لا يكفي، بل يجب العمل على قطع العلاقات مع إسرائيل وسحب السفراء من تل أبيب ومنع استيراد المنتجات الإسرائيلية، ووقف تصدير الغاز والنفط لأميركا والدول الغربية، التي تعتبر سنداً ومساعداً لإسرائيل في كل ما تقدم عليه في المنطقة. بذلك، ستضطر هذه الدول إلى لجم الكيان الصهيوني ووقف غطرسته وجبروته وعبثه بالقوانين والمواثيق الدولية، مما سيجبره على وقف حروبه الشعواء على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة ووضع حد لاستفزازاته للدول العربية.
التعليقات