إنَّ ارتفاع أسعار البنزين في ظل النظام الفاسد والساعي إلى الريع الحاكم في إيران، باعتباره أحد القرارات الاقتصادية الحساسة والمثيرة للجدل، يكشف عن جوانب مختلفة من عدم كفاءة الإدارة الاقتصادية والسياسية للنظام. إنَّ الأساس الذي قامت عليه زيادة أسعار البنزين هو جزء من استراتيجية النظام لابتزاز الأموال من الشعب. وتعكس هذه السياسة، التي يتم الترويج لها تحت عنوان خادع ومتكلف "الإصلاحات الاقتصادية"، أزمات بنيوية أعمق في الاقتصاد الإيراني. وقد خضعت هذه القضية لمناقشات متبادلة عديدة. وأخيراً، وبعد مناقشات مطولة وتصريحات متناقضة بشأن زيادة الأسعار، صرحت فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم حكومة مسعود بزشكيان، "لمعالجة اختلال التوازن في البنزين، لدينا استراتيجيتان: الاستيراد وزيادة الأسعار. والمؤكد أن زيادة أسعار البنزين ليست على جدول أعمال الحكومة" (المصدر: موقع عصر خودرو، 10 كانون الأول - ديسمبر).
ولكن بناءً على الخبرة، لا يمكن الوثوق بهذا التراجع التكتيكي والتنازل الظاهري. ففي 26 تشرين الثاني (نوفمبر)، وضع بزشكيان الأساس لزيادة أسعار البنزين، حيث صرح بطريقة عملية أنه لا يوجد منطق في قيام الحكومة بشراء البنزين بأسعار الدولار في السوق الحرة وبيعه بأسعار مدعومة. حتى أنه انتقد الجمهور لعدم معارضته لهذه السياسة.
ومن الجدير بالذكر أنه بينما يمول بسخاء أنشطة النظام الحربية بميزانيات فلكية، عندما يتعلق الأمر بالاحتياجات الأساسية للشعب، يدعي: "ليس لدي مال للقمح، وليس لدي مال للأدوية، وليس لدي مال للمدخلات الزراعية، وليس لدي مال لرواتب المتقاعدين".
ويجب أن نلاحظ أنه خلال مقابلة أجريت معه في 2 كانون الأول (ديسمبر) 2024، وصفتها صحيفة تابعة للدولة بسخرية بأنها "مناظرة"، أعرب مرة أخرى عن أسفه لأنه يفتقر إلى الأموال للمتقاعدين ومزارعي القمح ولا يستطيع دفع رواتب الموظفين. إن ما تحمله هذه التصريحات من معنى هو أن النظام يعتزم مرة أخرى استغلال جيوب الشعب للتعويض عن عجز ميزانيته من خلال أسعار البنزين.
أسباب ارتفاع سعر البنزين
1 - أزمة الخلل الاقتصادي
لقد أشار قادة النظام، ومنهم بزشكيان، مراراً وتكراراً إلى الخلل العميق في مختلف القطاعات مثل الطاقة والمياه والكهرباء والبيئة والموارد المالية. وقد وصل هذا الخلل، المتجذرة في الفساد المنهجي والافتقار إلى السياسات الوقائية، إلى مستويات قد تقود البلاد إلى أزمات لا رجعة فيها إذا لم يتم حلها، وفقاً لوسائل الإعلام الرسمية والمسؤولين.
وخلال مقابلته مع التلفزيون الحكومي في 2 كانون الأول (ديسمبر)، قال بزشكيان: "نحن نواجه خللاً خطيراً للغاية في الغاز والكهرباء والطاقة والمياه والمال والبيئة. وكلها عند مستوى قد يؤدي إلى أزمة. إذا لم نحل هذه الخلل، فسنصل إلى نقطة لا يمكن فيها فعل أي شيء بعد الآن".
2 - الإنفاق الباهظ على موارد النقد الأجنبي وتقليص واردات البنزين
أعلن مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) أنه لن يتم تخصيص ميزانية لواردات البنزين في عام 2025. ويثير هذا القرار السؤال التالي: ما الذي سيتم إنفاق الميزانية عليه بدلاً من ذلك؟
في الرابع من كانون الأول (ديسمبر)، نقلت صحيفة أرمان ملي عن الخبير الاقتصادي محمود جمساز قوله: "إن اختلال التوازن في الميزانية، الناجم عن التكاليف الإضافية المفروضة على الحكومة، هو أصل كل التحديات الاقتصادية. على سبيل المثال، تستهلك مؤسسات مثل وسائل الإعلام الحكومية والعديد من المنظمات الدينية والدعاية، التي لا ترتبط بالحكومة ولا تشارك في الناتج المحلي الإجمالي، جزءًا كبيرًا من الميزانية. تأتي هذه الميزانية من الضرائب المحصلة، مما يخلق الظلم في هذا المجال".
3 - إلغاء دعم الطاقة وخاصة البنزين
يستهلك دعم الطاقة، وخاصة البنزين، جزءًا كبيرًا من الميزانية العامة. وتأمل الحكومة في تحرير الموارد المالية لتعويض عجز الميزانية من خلال إلغاء الدعم. ومع ذلك، في غياب التخطيط الاجتماعي والاقتصادي المناسب، فإن هذه السياسة ستضر بشكل أساسي بالطبقات الدنيا من المجتمع.
4 - تهريب الوقود ودور المافيات التابعة للنظام في استمراره
لقد أدى انخفاض سعر البنزين في إيران إلى جعل التهريب إلى الدول المجاورة جذابًا. وفي حين يستشهد المسؤولون بهذا باعتباره أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع الأسعار، فإن الواقع هو أن جذر تهريب الوقود يكمن في المافيات التابعة لمكتب المرشد الأعلى للنظام علي خامنئي، والفساد المنهجي، وتورط مؤسسات النظام في إدامة هذا التهريب.
التناقضات في تصريحات النظام
غالبًا ما يحاول كبار المسؤولين في النظام، بما في ذلك خامنئي، التغطية على عدم كفاءتهم وإفلاسهم بذرائع مثل "ضغط العدو". على سبيل المثال، اعترف بزيشكيان بأن معدل التضخم البالغ 40 بالمئة على مدى السنوات الخمس الماضية "كارثي"، لكنه في الوقت نفسه يؤكد على العوامل الخارجية. مثل هذه الانحرافات والتناقضات لا تجلب الخبز إلى الموائد الفارغة للشعب الإيراني.
العلاقة بين ارتفاع أسعار البنزين وعجز الموازنة
نظرًا لمحدودية مصادر الإيرادات، لجأ النظام إلى زيادة أسعار ناقلات الطاقة مثل البنزين كحل سريع لمعالجة عجز الموازنة. على سبيل المثال، تواجه ميزانية 2025 عجزًا كبيرًا يقدر بين 8.5 كوادريليون إلى 18 كوادريليون ريال. ويرجع هذا الفارق في المقام الأول إلى انخفاض عائدات النفط والعقوبات وضعف الإدارة الاقتصادية.
ويُنظر إلى ارتفاع أسعار البنزين لسببين رئيسيين:
1. توليد إيرادات مباشرة من خلال المبيعات المحلية بأسعار أعلى.
2. الحد من الاستهلاك المحلي وزيادة الصادرات، وخاصة إلى دول مثل الصين، التي تشتري النفط الإيراني من خلال ترتيبات المقايضة.
ارتفاع أسعار البنزين: اللعب بالنار
في حين أن سياسة زيادة أسعار البنزين قد تكون بمثابة مصدر قصير الأجل لتمويل الموازنة، إلا أنها لها عواقب اجتماعية واقتصادية عميقة:
– زيادة التضخم: عادة ما تؤدي زيادات أسعار البنزين إلى زيادة تكاليف النقل والإنتاج، مما يؤدي إلى موجة جديدة من التضخم.
– انخفاض القدرة الشرائية: تتحمل الفئات الضعيفة العبء الأكبر من زيادات أسعار البنزين.
– الاحتجاجات الاجتماعية: تعمل زيادات أسعار البنزين كمحفز للاضطرابات الاجتماعية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك انتفاضة تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، التي هزت النظام حتى النخاع.
الآن، إذا خطط بزشكيان مرة أخرى للغوص في جيوب الناس لتغطية العجز في الميزانية وتمويل القمع والحرب، وبالتالي إثارة تفجر آخر لغضب الجماهير الفقيرة، فلن يفاجأ أحد. لقد تم إعداد المسرح.
التعليقات