شهدت منطقة الشرق الأوسط حديثاً تحولات جذرية في بنيتها السياسية والجغرافية، حيث تسعى الولايات المتحدة الأميركية، مع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الرئاسة، إلى إعادة تشكيل المنطقة وفقًا لمصالحها الاستراتيجية ورؤيتها الجديدة.

هذه المحاولات والعملية ليست وليدة اليوم، وإنما هي امتداد لسياسات قديمة متراكمة ومستمرة، تعتمد على إعادة ترتيب أوضاع البلدان الضعيفة، وزعزعة ظروف بلدان مستقرة أو شبه مستقرة، وإضعاف دولة قوية ليست ضمن تحالفاتها، بل وحتى ابتزاز دول حليفة وتهديدها، لضمان هيمنتها على موارد المنطقة ودولها. ومن خلال دعم بعض القوى الداخلية وتقويض أخرى، تعمل واشنطن على خلق توازنات جديدة تخدم أهدافها، سواء عبر التحالفات العسكرية أو الاتفاقيات الاقتصادية، أو حتى التغييرات السياسية الداخلية في دول المنطقة.

التغيرات في الشرق الأوسط ليست مجرد توقعات، بل هي واقع قائم بالفعل، وله نتائج قادمة لا محالة. والصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية، كلها عوامل تساهم في إعادة تشكيل خريطة المنطقة، وهذه التحولات ليست طارئة أو عابرة، بل هي جزء من عملية طويلة الأمد بدأت منذ سنوات طويلة، وربما ستؤدي إلى تغيير جذري في طبيعة الأنظمة السياسية والتحالفات الإقليمية، وبالتالي فإن مقاومة هذه التغيرات قد يكون لها ثمن كبير أو ربما تكون غير مجدية، خاصة في ظل وجود قوى دولية كبرى تدعم هذا التحول. فهل من الحكمة مقاومتها أم السير معها؟

تاريخيًا، كانت الدول العربية في موقع المتأثر بالتغيرات الإقليمية والدولية، ولم تكن يومًا فاعلًا رئيسيًا فيها، سواء خلال الحقبة الاستعمارية أو في فترة الحرب الباردة، أو حتى في العصر الحديث. وظل العرب يصنفون ضمن التبعية للقوى الكبرى، وهذا الوضع جعلهم عرضة للتأثر بكل تغيير يحدث في المنطقة دون أن يكون لهم دور فاعل في صناعته أو توجيهه، مما يثبت ضعف تأثيرهم في صناعة القرارات الدولية المتعلقة بمصيرهم.

في ظل واقعهم الداخلي والخارجي، يبدو أن الأنظمة العربية غير قادرة على مواجهة التغيرات القوية التي تفرضها القوى الكبرى ومصالحها، نتيجة لاكتفائها بالحفاظ على السلطة والحكم، مما يجعل هذه الأنظمة غير قادرة – ولا راغبة – في التفاعل والتأثير في المتغيرات الإقليمية والدولية، بسبب غياب الإرادة السياسية الحقيقية للإصلاح والتغيير. وهذا يجعلها عاجزة عن إيقاف هذه التحولات، مما يعرضها لخطر فقدان السيطرة على مصيرها.

إقرأ أيضاً: الحرب مع إسرائيل في ميزان الربح والخسارة

يجب على العرب أن يفكروا بطريقة جديدة، خارج إطار الصندوق الذي وضعوا أنفسهم فيه، فبدلًا من مقاومة التغيرات التي تفرضها القوى الكبرى، عليهم أن يتبنوا استراتيجية جديدة تقوم على التفاعل مع هذه التغيرات، ومحاولة المشاركة الفاعلة في صناعة القرارات الإقليمية والدولية، عسى أن يضمن العرب موقعًا مؤثرًا أو في الأقل مسموعًا في النظام الجديد. وهذا يتطلب تبني سياسات خارجية مختلفة، قادرة على التكيف مع المتغيرات، مع الحفاظ على الثوابت والمصالح الوطنية.

لضمان تحقيق هذا الهدف، يفترض بالعرب وقادتهم إيجاد توازن دقيق وصارم وثابت بين ثوابتهم الوطنية وهويتهم وقيمهم الأساسية، وما يفرضه واقع السياسة والعلاقات الدولية والقوى الكبرى. وتحقيق هذا التوازن يتطلب قيادات واعية وقادرة على قراءة المشهد السياسي بدقة، واتخاذ قرارات استراتيجية تعزز مكانتهم في النظام العالمي الجديد. وقبل ذلك، يجب تحديد واستكشاف طبيعة هويتهم وماهية مصالحهم الوطنية، ومن ثم رسم خارطة طريق لكيفية الوصول إلى تحقيق كل ذلك.