تستعد العاصمة العراقية بغداد لاحتضان القمة العربية، وسط أجواء إقليمية مشحونة وأزمات سياسية واقتصادية تعصف بعدد من الدول العربية، حيث يأتي هذا الحدث في وقت حساس تمر فيه أربع دول عربية على الأقل بحروب أو نزاعات داخلية، بينما تواجه دول أخرى أزمات اقتصادية حادة تتطلب تعاوناً عربياً غير مسبوق.
يأمل العراق، الذي يلعب دور المضيف، في أن تكون هذه القمة مناسبة لإعادة جمع الصف العربي، وتحقيق نوع من التقارب السياسي والاقتصادي بين دول تختلف في توجهاتها ومشاكلها. فالعراق يحاول جاهداً أن يقدم نفسه كوسيط عقلاني يسعى إلى تقريب وجهات النظر واحتضان الحوار العربي، خصوصاً في ظل الانقسامات الإقليمية المتزايدة، وما حدث في غزة ولبنان وسوريا، وما تتعرض له اليمن.
من المتوقع أن تتناول القمة ملفات عديدة، على رأسها الأوضاع في فلسطين، السودان، اليمن، وسوريا، إضافة إلى قضايا الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب. كما ستطرح القمة مبادرات اقتصادية تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول العربية في مجالات الطاقة، الأمن الغذائي، والاستثمار. ويبدو أن هناك توجهاً لدعم الدول الأكثر تضرراً من الأزمات، سواء عبر صناديق تمويل أو برامج إعادة إعمار.
ما يميز هذه القمة عن سابقاتها هو إدراك الجميع لخطورة المرحلة، ولحجم التحديات التي لا يمكن مواجهتها ببيانات ختامية فضفاضة، بل بحاجة إلى آليات تنفيذ واضحة ومدد زمنية. ويرى مراقبون أن هنالك رغبة حقيقية لدى بعض الدول في الخروج بقرارات عملية، خصوصاً مع تصاعد الضغوط الشعبية والاقتصادية، إضافة إلى رغبة العراق في أن تكون هذه القمة ناجحة لتعكس دوره الإقليمي والمؤثر في المنطقة.
لكن هناك تحديات كثيرة تواجه نجاح هذه القمة كسابقاتها، فاختلاف المصالح بين الدول العربية لا يحجبه غربال، والتباين في الأجندات والسياسات الداخلية للدول قد يشكل عائقاً أمام تطبيق الحلول بشكل موحد. وكذلك سيظل التدخل الخارجي وتحديد الموازين الإقليمية موضوعاً حساساً، قد يؤثر على مدى جدية الالتزامات المتفق عليها خلال القمة.
يمكن القول إنَّ قمة بغداد تحمل في طياتها طموحات إيجابية نحو تجديد الاندماج العربي، إلا إنَّ نجاحها سيتحدد بشكل كبير على آليات التنفيذ والمتابعة، إضافة إلى تحييد العوامل الخارجية التي قد تعيق مسير الإصلاح والتكامل. ويبقى تنفيذ هذه الحلول واقعاً يعتمد على إرادة الدول في تجاوز خلافاتها، وتركيزها على مصالحها المشتركة.
في المجمل، تمثل قمة بغداد فرصة نادرة لإعادة رسم خريطة التعاون العربي، على أسس جديدة أكثر واقعية ومرونة، فقد تكون هذه القمة بداية لمرحلة جديدة من التضامن العربي القائم على المصالح المشتركة والتحديات الموحدة. ونجاحها من عدمه سيعتمد على مدى استعداد الدول للمضي قدماً في العمل الجماعي بعيداً عن الشعارات، والاقتراب أكثر من هموم الشعوب واحتياجاتها.
التعليقات