المشاهد الأخيرة المسربة، للنائب إبراهيم الدرسي، وهو مكبل من عنقه بالسلاسل، أشعلت المنصات الليبية، وأعادت فتح ملفات كثيرة مشابهة، وأخرى ما زالت عالقة.
لقد تسبب الانفلات الأمني وحالة التشرذم، التي تعانيها الحالة الليبية، في حدوث حالات: إخفاء قسري، واعتقالات، وتعذيب، وتصفيات جسدية، خارج نطاق القضاء والقانون.
الوضع السياسي والعسكري في ليبيا اليوم، يشبه إلى حد كبير، الوضع السياسي والعسكري في أفغانستان، عشية سقوط كابل بيد المجاهدين عام 1992م.
لقد عمل الجميع وقاتل، من أجل سقوط حكومة نجيب الله، ثم عمل الجميع وقاتل، من أجل اقتسام تركة نجيب الله!
لقد قاتل الجميع من أجل السلطة، ثم دمر الجميع أفغانستان من أجل السلطة، وبدا وكأن مستقبل أفغانستان مجرد ذريعة؛ لبقاء حالة السيطرة والنفوذ، الخاصة بكل فصيل أفغاني، كان ذات يوم يُدعى "مجاهد".
لقد ساعد هذا الوضع فيما بعد، بسقوط شرعية هذه الفصائل والأحزاب، وظهور حركة طالبان كمحرر جديد لأفغانستان، حتى سيطرتها الكاملة على كابل عام 1996م.
لكن، سرعان ما دخل المحرر الجديد في إشكاليات جديدة، كانت للمفارقة ذات الإشكاليات التي جاءت طالبان ذاتها لمحاربتها!
إقرأ أيضاً: العبقرية العربية المفقودة!
لقد كررت الحركة أخطاء سابقيها، ومارست نفس الوسائل القمعية لسابقيها، وادعت وحدها الشرعية والتحدث نيابة عن كل الأفغان، ثم عملت على إقصاء الآخر وإسكاته، ثم تبنت رؤية ضيقة جعلت أفغانستان لوحدها في مواجهة العالم أجمع.
أدى هذا مرة أخرى، لحرب مدمرة جديدة، ووضعت البلاد بموجبها تحت الوصاية الدولية مرة أخرى.
ليفقد الأفغان في كل مرة، مقدراتهم وثرواتهم وبلدهم، حتى يبلغوا حالة الرشد السياسي والإدراك والمسؤولية.
في ليبيا قاتل الجميع من أجل سقوط معمر القذافي، ثم يتصارع الجميع الآن من أجل تركة معمر القذافي!
إنَّ استمرار هذه الحالة، سيؤدي في نهاية المطاف، إلى تآكل مشروعية الأطراف الليبية المتصارعة، ما يعجل بدوره بدخول مستثمر سياسي جديد، قد لا يقل شراسة وانتهازية عن سابقيه.
إقرأ أيضاً: السياسة والوجه الآخر
ومرة أخرى فإن إلقاء اللوم على الجهات الخارجية، أو حتى التنظيمات الإرهابية، لا يعفي الفرقاء الليبيين من المسؤولية الوطنية التاريخية.
علينا أن لا ننسى أخيرًا، أن التصريحات المتكررة، لأعضاء في الحكومات الإيطالية المتعاقبة، قد ذكرت بغراتسياني جديد، قد تدفع به إيطاليا مجددًا لليبيا، لكنه هذه المرة سيأتي بغطاء أممي وتفويض دولي، لم يحظَ به سابقه غراتسياني الأول.
التعليقات