منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يتواصل سقوط الضحايا من المدنيين الفلسطينيين يوميًا، في مشاهد تقشعر لها الأبدان وتتناقض بشكل صارخ مع كل الأعراف والقوانين الدولية. ولعل من أبشع ما تميّزت به هذه الحرب، هو استهداف المدنيين العُزّل الذين يقفون في طوابير طويلة أملاً في الحصول على القليل من المساعدات الإنسانية التي تُعدّ شريان الحياة في ظل الحصار والجوع والدمار.

وقد كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية ذاتها، وهي من أبرز الصحف داخل إسرائيل، عن حوادث إطلاق نار متكرّرة من قبل الجيش الإسرائيلي على مدنيين فلسطينيين كانوا بصدد استلام المساعدات في غزة، مؤكدة أن الضحايا لم يكونوا يحملون أي سلاح، ولم يشكّلوا أي تهديد مباشر للقوات الإسرائيلية. وهذا الاعتراف الصادر من وسائل إعلام إسرائيلية يزيد من مصداقية هذه الانتهاكات، التي وصفها الكثيرون بأنها تصل إلى مستوى "جرائم حرب".

ما الذي يدفع إسرائيل إلى استهداف المدنيين؟
بالرغم من أن القوانين الدولية الإنسانية، وعلى رأسها اتفاقيات جنيف، تحظر بشكل قاطع استهداف المدنيين، خاصة في أماكن توزيع المساعدات، إلا أن إسرائيل تبرّر في بعض الأحيان هذه الانتهاكات بدواعٍ أمنية، مدّعية أن "الإرهابيين قد يختبئون بين المدنيين" أو أن "السياقات الميدانية معقّدة". لكنّ مثل هذه التبريرات لم تعد تقنع المجتمع الدولي، خاصة في ظلّ تكرار المشهد وارتفاع عدد الضحايا.

الهدف الحقيقي من هذه الممارسات – وفق تحليلات العديد من الخبراء والناشطين الحقوقيين – يتمثل في محاولة خنق سكان غزة نفسيًا ومعنويًا، ودفعهم إلى الاستسلام الكامل تحت ضغط الجوع والخوف، وهو ما يُعرف بسياسة "العقاب الجماعي". إذ تسعى إسرائيل إلى تقويض أي بُنية صمود داخل القطاع، سواء كانت مادية أو إنسانية، حتى لو كان الثمن أرواح الأبرياء.

النتائج الكارثية لهذه الجرائم:
إنَّ استهداف المدنيين في أثناء تسلّمهم للمساعدات يخلّف آثارًا إنسانية واجتماعية خطيرة، منها:

1. زرع الخوف في نفوس السكان، حتى من محاولة الوصول إلى الغذاء أو الماء.

2. تفشي المجاعة بشكل أكبر، نتيجة تقييد المساعدات أو تراجع عمليات التوزيع.

3. تهجير داخلي قسري، حيث يفرّ السكان من المناطق المستهدفة نحو مناطق أقل خطرًا، بالرغم من ندرة الموارد في كافّة المناطق.

4. انهيار المنظومة الإغاثية، نتيجة انسحاب بعض المنظمات الدولية من الميدان بسبب الخطر المتصاعد.

المجتمع الدولي أمام اختبار الضمير:
في ظلّ هذه الانتهاكات الممنهجة، يبدو المجتمع الدولي وكأنه يقف عاجزًا أو متواطئًا بصمته. وبالرغم من المطالبات المتكررة من الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية لوقف هذه المجازر، لا تزال إسرائيل تتصرف كقوة فوق القانون.

إنَّ ما يحدث في غزة ليس فقط مأساة إنسانية، بل جريمة ضد الضمير العالمي. واستهداف مُتلقّي المساعدات هو أحد أوجه هذا الانهيار الأخلاقي، ويجب أن يُحاسب عليه كل من أعطى الأوامر أو غضّ الطرف عن تنفيذها.

ما تشهده غزة اليوم من استهداف للمدنيين، خصوصًا متلقي المساعدات، ليس مجرد "أخطاء" عسكرية، بل سياسة متعمّدة تستهدف كسر إرادة شعب بأكمله. ومهما حاولت إسرائيل التستُّر خلف الذرائع الأمنية، فإن الواقع الدموي يفضحها أمام العالم. ويبقى السؤال مفتوحًا أمام الضمير الإنساني: متى سيقول العالم كلمتَه؟ ومتى ستتوقف آلةُ الحرب عن حصد أرواح الأبرياء في غزة؟